لبنان

الجيش «الإسرائيلي» بعد حرب غزة: قوة تترنّح خلف صورة الردع

الجيش «الإسرائيلي» بعد حرب غزة: قوة تترنّح خلف صورة الردع

| خضر رسلان | كاتب وإعلامي لبناني

لم تخرج المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” من حرب غزة الأخيرة كما دخلتها. فبعد أشهر من القتال الذي اتخذ طابع حرب إبادة شاملة ضد المدنيين والبنى التحتية، وجد الجيش نفسه أمام حقيقة مُرّة: أنّ صورة “القوة التي لا تُقهر” لم تعد تقنع حتى جمهوره الداخلي، وأنّ “عقيدة الردع” التي طالما افتخرت بها “إسرائيل” تحوّلت إلى عبء ثقيل على جيش فقد زمام المبادرة وتآكلت ثقته بنفسه.

رغم حجم الدمار والقتل الواسع الذي طبع حرب الإبادة على غزة، لم تنجح “إسرائيل” في تحقيق نصرٍ حاسم أو فرض معادلتها على الميدان. فالمقاومة التي واجهت أعتى آلة عسكرية في المنطقة أثبتت قدرة استثنائية على الصمود والمناورة، وحوّلت الميدان إلى اختبارٍ ميداني عسير كشف هشاشة الجيش الإسرائيلي وارتباك قياداته في تحديد أهدافٍ واضحة يمكن تسويقها كإنجاز.

منذ الساعات الأولى، بدت القيادة العسكرية في حالة ارتباكٍ مزمن. تعدّد الخطط وتناقض التقديرات أظهر أنّ المؤسسة العسكرية لم تكن تمتلك رؤية متماسكة للحرب، ولا تقديراً دقيقاً لقدرات خصمها. فحتى بعد أسابيع من حرب الإبادة، لم تستطع “إسرائيل” القضاء على البنية القتالية للمقاومة أو السيطرة على الأرض، واضطرت إلى التراجع نحو أهدافٍ “قابلة للتسويق” بدل “الانتصار الكامل” الذي وُعدت به.

داخلياً، برز التصدّع في المعنويات، وتراجعت الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية. تقارير عبرية عديدة تحدثت عن جنود يعيشون حالة إنهاك نفسي وفقدان للثقة، وعن انتقادات حادّة من المجتمع الإسرائيلي الذي رأى أنّ الجيش فقد توازنه بين الردع والانتقام، وأنّ ما جرى لم يكن “نصراً”، بل حرباً بلا أفق سياسي ولا أخلاقي.

أما على الصعيد الدولي، فقد تحوّلت حرب الإبادة إلى عبء ثقيل على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. فمشاهد المجازر في غزة، وصور الأطفال تحت الركام، نالت من الصورة التي حاولت “إسرائيل” تسويقها لعقود كـ”جيش أخلاقي”. ومع ازدياد الانتقادات في الغرب، بدت “إسرائيل” أكثر عزلة من أيّ وقتٍ مضى، فيما اتّسعت الهوة بين ما تدّعيه من “انتصارات” وما يراه العالم من مأساةٍ إنسانية.

ورغم كلّ ذلك، تحاول القيادة الإسرائيلية ترميم ما تبقّى من صورة الردع. غير أنّ الحقيقة الواضحة أنّ حرب الإبادة على غزة لم تعُد مجرّد جولة عسكرية، بل محطة فاصلة كشفت حدود القوة الإسرائيلية، ووضعت جيشها أمام مأزقٍ استراتيجيٍ طويل الأمد.

لقد أثبتت هذه الحرب أنّ الردع القائم على القتل والدمار لم يعد يضمن الأمن، وأنّ من واجه حرب إبادة وبقي واقفاً على أرضه، خرج بنصرٍ معنوي واستراتيجي يفوق كلّ ما حُقّق بالسلاح. فالخصم الذي لم يُكسر تحت القصف، لن تكسره مؤتمراتٌ ولا معادلاتٌ زائفة، بل سيظلّ حاضراً في الوعي كرمزٍ لإرادةٍ لا تُهزم…


■ مصدر الخبر الأصلي

نشر لأول مرة على: jabalamel.org

تاريخ النشر: 2025-10-16 11:28:00

الكاتب: جبل عامل

تنويه من موقع "yalebnan.org":

تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر: jabalamel.org بتاريخ: 2025-10-16 11:28:00. الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع "yalebnan.org"، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.

ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى