طوال تاريخ الأرض، تغير مستوى المحيط العالمي عدة مرات، لكن الوضع اليوم ليس له نظائره على مدى آلاف السنين الأربعة الماضية. تظهر الدراسات التي أجريت على الشعاب المرجانية القديمة والمناظر الطبيعية الساحلية أن معدل ارتفاع المياه اليوم لم يسبق له مثيل من حيث السرعة طوال هذه الفترة.

ضربة مزدوجة للمناطق الساحلية

منذ عام 1900، ارتفعت مستويات سطح البحر العالمية بشكل مطرد بمعدل 1.5 ملم سنويًا. ورغم أن هذا الرقم يبدو ضئيلا، فإن تأثيره التراكمي يخلق بالفعل تهديدات خطيرة للمدن الكبرى الواقعة في المناطق الساحلية. هناك عاملان رئيسيان يحددان الديناميكيات: التوسع الحراري للمحيطات بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري والذوبان المتسارع للأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.

يوضح الباحث يوتشنغ لين من جامعة روتجرز: “مع ارتفاع درجة حرارة المحيط، يصبح أكثر ضخامة. وتستجيب الأنهار الجليدية بشكل أسرع من الصفائح الجليدية الضخمة، لكن غرينلاند تظهر أيضًا تسارعًا مثيرًا للقلق في الذوبان”.

خطورة دلتا الأنهار

ومن الخطير بشكل خاص الجمع بين ارتفاع مستوى سطح البحر وهبوط الأرض. على سبيل المثال، فإن أكبر المدن الكبرى في العالم – شنغهاي، وشنتشن، وهونج كونج – مبنية على التربة الناعمة لدلتا الأنهار. لقد اجتذبت هذه المناطق تاريخيًا الحضارات بسبب خصوبتها وإمكانية الوصول إلى وسائل النقل، لكن جيولوجيتها تجعلها معرضة للخطر للغاية، كما يقول Earth.com.

ويشير لين إلى أن “الاستخراج المكثف للمياه الجوفية يؤدي إلى تسريع عملية الهبوط الطبيعية بشكل كبير. على سبيل المثال، انخفضت مناطق معينة في شنغهاي بأكثر من متر خلال القرن العشرين”.

وتذهب العواقب إلى ما هو أبعد من الفيضانات المحلية. تعد مناطق الدلتا الساحلية نقاطًا مهمة في سلاسل الإنتاج والتوريد الدولية. إن إغراقها سيؤدي إلى انهيارات متتالية للاقتصاد العالمي. وحتى التقلبات في مستوى سطح البحر على نطاق سنتيمترات تزيد بشكل كبير من خطر الفيضانات في مناطق الدلتا، مما يهدد استقرار الإمدادات العالمية.

ومع ذلك، فإن شنغهاي تقدم مثالا إيجابيا – حيث أدى إدخال نظام لمراقبة استخدام المياه الجوفية إلى إبطاء هبوط المنطقة. وتستخدم المدينة حلاً مبتكراً، وهو ضخ المياه العذبة تحت الأرض لتثبيت التربة.

كيفية حماية المدن

والمشكلة عالمية، فمن نيويورك إلى جاكرتا تواجه المدن الساحلية تحديات مماثلة. وكما يؤكد البروفيسور روبرت كوب، المؤلف المشارك في الدراسة، فإن البيانات الجيولوجية تسمح لنا بتحديد المناطق الأكثر عرضة للخطر بدقة. وبدون اتخاذ تدابير وقائية، يمكن أن يبتلع المحيط المتقدم هذه المناطق بسرعة.

مجالات الحماية الرئيسية:

• تنظيم استخدام المياه الجوفية

• تحديث أنظمة الصرف الصحي وهياكل الحماية

• وضع خطط عمل لمواجهة الفيضانات واسعة النطاق

ويؤدي التأخير في تنفيذ هذه التدابير إلى تفاقم المخاطر. سوف تستمر مستويات سطح البحر في الارتفاع بغض النظر عن الأنشطة البشرية، ولكن الاستعداد في الوقت المناسب يمكن أن يقلل من العواقب الاجتماعية والاقتصادية لهذه العملية.