| في. عبادة النبسي | الأستاذ جمعية

‏قبيل الاجتياح الإسرائيلي لقريتنا العام ١٩٨٢ بدأ عدد من أبناء القرية رفع الرايات البيضاء على أسطح منازلهم خوفاً من بطش العدو. الأطفال في الأحياء تفاعلوا ببرائتهم مع هذه الحركة وقاموا بمساعدة الكبار على وضع خِرق بيضاء على أعمدة الكهرباء الملاصقة لمنازلهم أو على المداخل والأسطح.

أحد الأطفال من رفقائنا أتى بخرقة بيضاء وخشبة كانت مرمية على جانب الطريق وصعد على عمود الكهرباء المحاذي لبيتنا وبدأ بتثبيتها ونحن من تحته نتفرج على “شهامته وشجاعته” وضمِّنا إلى “حلف الرايات البيضاء”في القرية. هذا المشهد الذي ما زال عالقاً في ذاكرتي، تزامن مع وصول أخي الحاج ‎#محمد_عفيف فهاله ما نفعل.

أنّبنا بشدة وطلب من الصبي على العمود أن ينزل فوراً ويُنزل معه الخشبة والخِرقة البيضاء، وأخذ منّا العهود على أن لا نعود إلى مثل هذا الفعل أبداً، بل أن نذهب وندور في أرجاء القرية ونمزّق هذه الخِرق أو ننزلها من مكانها إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

لم نكن ندري وقتها ماذا تعني الخِرقة البيضاء إذا تم رفعها على أسطح المنازل، لم نكن نعي أنّ ذلك يسمّونه استسلاماً وخضوعاً للاحتلال وشروطه. ما هي إلا أشهر حتى وجدنا الحاج محمد ورفاقه يأتون بالسلاح إلى بيتنا ثم يخرجون في أوقات الظلام إلى حيث لا نعلم، ثم نسمع لاحقاً عن كمائن وإطلاق نار على دوريات ومقرات العدو.

بعد سنوات التحرير الأولى عام ١٩٨٥ جاء المخرج اللبناني ‎#روجيه_عساف إلى بيتنا وجلس مطولاً مع الوالد والحاج محمد وأفراد الأسرة وهم ينقلون له حكاياهم عن سِنيّ الاحتلال وعن تجربة المقاومة في بداياتها حيث لم يقبل شبابها وأهلها الأبطال أن يرفعوا وهم على ظهر الأرض أحياء، راية بيضاء أبداً.