الحرب الروسية-الأوكرانية: هل تفرض موسكو سيطرتها وتُجبر أوكرانيا على الرضوخ؟
الحرب الروسية-الأوكرانية: هل تفرض موسكو سيطرتها وتُجبر أوكرانيا على الرضوخ؟
كتب: إدريس أحميد
صحفي وباحث في الشأن السياسي والدولي
الحرب الاستنزافية وموازين القوى
حرب استنزاف تقترب من نهايتها.. وتحركات روسيا قد تعيد رسم موازين القوة في أوروبا. بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، يبدو المشهد أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. فهذه الحرب لم تعد صراعًا ثنائيًا بين أوكرانيا وروسيا، بل تحولت إلى مواجهة دولية معقدة يشارك فيها الاتحاد الأوروبي والناتو بشكل مباشر وغير مباشر، حيث أصبح الدعم الأوروبي والأمريكي حجر الزاوية في استمرار النزاع.
الناتو وأوروبا: الدعم مقابل المصالح
لا يخوض الجيش الأوكراني الحرب بمعزل عن الدعم اللوجستي والميداني الأوروبي، ما يعكس مشاركة فعلية للناتو في النزاع. هذا الدعم يستند إلى مبرر حماية أوروبا من “التمدد الروسي”، إلا أن جدية هذا الموقف موضع تساؤل، خصوصًا في ظل مصالح أوروبا الاقتصادية والسياسية المتشابكة مع روسيا.
بريطانيا تتبنى موقفًا متشددًا وعدائيًا ضد موسكو، لكنها تواجه قيودًا اقتصادية وسياسية قد تحد من قدرتها على الاستمرار بالدعم طويل المدى. فرنسا وألمانيا تواجهان ضغوطًا داخلية: الأولى في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، والثانية كانت شريكًا اقتصاديًا لروسيا لعقود، ما يجعل موقفهما الحالي غير مستقر. كما تظهر معارضة دول مثل المجر وسلوفاكيا، التي ترتبط مصالحها بالقومي الروسي، إضافة إلى صعود أحزاب يمينية في دول أوروبية قد يعيد تشكيل سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحرب.
يبقى التساؤل: هل أوروبا صادقة في مخاوفها من التمدد الروسي، أم أنها تستخدم النزاع لأهداف استراتيجية تجارية وسياسية؟ وهل تستطيع الاستمرار في الدعم في ظل استفادة واشنطن من “فاتورة الحرب” عبر بيع الأسلحة والطاقة، بينما مصلحة أمريكا الفعلية في إنهاء الحرب تبقى مشكوكًا فيها؟
الولايات المتحدة: مصالح متناقضة
تعهد ترامب سابقًا بمحاولة إنهاء الحرب، وشهدت السنوات الأخيرة محاولات دبلوماسية متعددة، منها لقاء ألاسكا والاقتراح بقمة بودابست، إلا أن هذه المحاولات اصطدمت بمطالب روسية رفضتها أوكرانيا بدعم غربي، ما أفرغها من فعاليتها. موقف ترامب المتذبذب، بين تهديده بتزويد أوكرانيا بصواريخ توما هوك ثم التراجع بعد لقاء زيلنسكي، يعكس سياسة أمريكية قائمة على المزاجية والمصالح المباشرة. العقوبات الأخيرة على قطاع الطاقة الروسي جاءت في هذا السياق ذاته، مؤشراً على أن إدارة ترامب تبحث دائمًا عن المردود الاقتصادي والسياسي قبل أي حل حقيقي.
مآلات الحرب: استنزاف الجميع
أوكرانيا فقدت أجزاء كبيرة من أراضيها وبنيتها التحتية، وتعاني ضغوطًا اقتصادية واجتماعية هائلة، بينما أوروبا نفسها مثقلة بالضغوط المالية والسياسية للدعم المستمر. روسيا، من جانبها، تعتبر الحرب مسألة أمن قومي ودفاع عن مكانتها كقوة كبرى، وتصر على الاحتفاظ بالمناطق التي سيطرت عليها، بما فيها القرم. هذا التعقيد يجعل أي حل سياسي معقدًا، خاصة مع استمرار تدخل الناتو بشكل غير مباشر في العمليات العسكرية.
تمارين روسيا الصاروخية والنووية الأخيرة تحت إشراف بوتين ترسل رسالة واضحة: موسكو دولة قوية ومستعدة للدفاع عن نفسها، وأن أي استفزاز إضافي قد يرفع تكلفة النزاع إلى مستويات أعلى. بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، يسعى دونالد ترامب لإنهائها سريعًا لتسجيل نصر سياسي، بينما يتضح تفوق روسيا العسكري والاقتصادي مقابل هشاشة النفوذ الغربي.
تحت ضغط شديد، تواجه أوكرانيا وأوروبا واقعًا جديدًا، ويرى بعض المحليين أن الاعتراف بموسكو كلاعب رئيسي أصبح أمرًا لا مفر منه، ما يمهد لصياغة مرحلة دولية براغماتية جديدة تقوم على إيجاد صيغة جديدة للتعامل مع روسيا، والاعتراف بمخاوفها من توسع حلف الناتو، وفتح آفاق للتعاون وخلق توازن استراتيجي أكثر وضوحًا في المنطقة.
تأثير الحرب على الاقتصاد الأوروبي والأوكراني
تستمر الحرب في فرض أعباء اقتصادية هائلة على أوكرانيا وأوروبا. أوكرانيا تعاني من تدمير واسع للبنية التحتية وفقدان الإنتاج المحلي، في حين تواجه الدول الأوروبية ارتفاعًا في أسعار الطاقة والغذاء، ونقصًا في الموارد المالية المخصصة للدعم العسكري والمدني. هذا الضغط يجعل من الصعب على الأوروبيين الحفاظ على الدعم المستمر لأوكرانيا لفترة طويلة دون تأثير مباشر على اقتصاداتهم الداخلية.
التدخل العسكري الروسي والاستراتيجية النووية
تمارين روسيا الصاروخية والنووية الأخيرة تحت إشراف بوتين ترسل رسالة واضحة للغرب بأن موسكو لن تتراجع عن خطوطها الحمراء. هذا يشير إلى أن روسيا لا تعتبر الحرب مجرد نزاع إقليمي، بل مسألة أمن قومي واستراتيجية طويلة الأمد. كل تحرك روسي يهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض، وضمان أن أي مفاوضات مستقبلية تتم من موقع قوة.
الرؤى المستقبلية والتحولات السياسية
بعد سنوات من الحرب، يبدو أن الاعتراف بموسكو كلاعب رئيسي أصبح أمرًا لا مفر منه. المرحلة القادمة قد تشهد صياغة براغماتية جديدة في السياسة الدولية، تقوم على إيجاد صيغة للتعامل مع روسيا، والاعتراف بمخاوفها من توسع حلف الناتو، وفتح آفاق للتعاون مع أوروبا وأوكرانيا على أسس جديدة توازن بين القوة والمصالح.
هذه التحولات قد تؤدي إلى إعادة رسم موازين القوى في المنطقة، حيث يُتوقع أن تصبح روسيا جزءًا أساسيًا في أي تسوية أوروبية، وأن تتكيف دول الاتحاد الأوروبي مع واقع القوة الروسي الجديد، مع الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
الاستنتاج النهائي
الحرب الروسية-الأوكرانية وصلت إلى مرحلة حاسمة، حيث تتضح ملامح استنزاف شامل لجميع الأطراف، وتبرز روسيا كلاعب رئيسي لا يمكن تجاهله. بينما تواصل أوكرانيا والدول الأوروبية مواجهة ضغوط مالية واجتماعية وسياسية، فإن النفوذ الغربي يتعرض لهشاشة واضحة. في ظل هذه الديناميكية، ستبنى الحلول المستقبلية على مبدأ التوازن الاستراتيجي، والاعتراف بالحقائق الواقعية على الأرض، مع محاولة إيجاد مسار للتعاون السياسي والاقتصادي في المنطقة.
في النهاية، تبقى الحرب الروسية-الأوكرانية اختبارًا كبيرًا للمجتمع الدولي، وتحديًا أمام أوروبا وأمريكا لإعادة تقييم سياساتهم ومصالحهم، مع مراعاة القوة الروسية وحقائق الأرض التي فرضتها سنوات الصراع الطويلة.
■ مصدر الخبر الأصلي
نشر لأول مرة على: pravdatv.org
تاريخ النشر: 2025-10-26 11:05:00
الكاتب: قسم التحرير
تنويه من موقع “yalebnan.org”:
تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
pravdatv.org
بتاريخ: 2025-10-26 11:05:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.
ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.




