الانتخابات العراقية والمخططات الأمريكية في التأثير عليها وصاروخ تنكيل وعراب التطبيع

الانتخابات العراقية والمخططات الأمريكية في التأثير عليها وصاروخ تنكيل وعراب التطبيع
قال الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري عندما كان يقول عن العراق، يلفظها العراق بالضمة مشيرا الى أن سببه يعز عليه أن يكسر عين العراق فهي لا تكسر أبدا.
العراق على موعد مع حدث انتخابي نيابي بعد شهر ولذلك وقف برنامج شيفرة في حلقته اليوم على الانتخابات العراقية والتحديات التي يواجهها من الوجود الأمريكي وتدخلاته، وسلاح الفصائل العراقية، وكذلك ركز على صاروخ يمني، ورصد عراب التطبيع وهو وزير خارجية الكيان الصهيوني ايلي كوهين.
الملف الأول: الانتخابات العراقية النيابية
ويواجه العراق تحديات كبيرة سيما بعد عقوبات جديدة فرضتها الولايات المتحدة على الشركات والشخصيات العراقية، وكذلك نفس الحال واجهت الشركات الروسية عقوبات أمريكية من بينها شركة روسية كبيرة تعمل في مجال النفط والغاز في العراق، هي شركة “لوك أويل” تعمل في حقل القرن بمدينة البصرة بطاقة تشغيلية تصل الى 3 مليار دولار، وكذلك شركة باش نفط وغاز بروم نفط.
الولايات المتحدة من منطلق سياسة تدخلها في قرارات دول المنطقة، عينت مبعوثا جديدا يدعى مارك سافايا في العراق الذي يمر بأجواء الاستحقاق الانتخابي خلال أيام قادمة، ما يدل على تعيين مبعوث في توقيت حساس.
وقال مارك سافايا إنه لا يريد التدخل في شؤون العراق وأنه ليس هناك أجندة أمريكية تفرض على البلاد، مضيفا على حد وصفه أن واشنطن تريد دعم حكومة مستقلة في قراراتها، قائلا إنه يريد أن يجعل العراق عظيما مرة أخرى. جملة استخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حملته الانتخابية، ما يثير تساؤلات حول ماذا تريد واشنطن من تدخلاتها وتعيين المبعوث الجديد؟
وحول خلفية سافانا هو رجل أعمال أمريكي وكان من الناشطين والداعمين في حملة ترامب الانتخابية وجمع أصوات كثيرة من الجالية العربية لصالح ترامب، كما كان له دورا بارزا في تحرير الأسيرة الإسرائيلية الروسية الأصل إليزابيث سورغوف.
مارك سافايا ذو أصول عراقية شخصية دخلت الى الإدارة الأمريكية من خارج السلك الدبلوماسي التقليدي، ما أثار اختياره جدلا، خاصة وأنه تم تعيينه مبعوثا خاصا وليس سفيرا للولايات المتحدة ما يفسر حسب الخبراء أن هذا الاختيار تم بهدف خاص وأن تلك الدولة ليست مستقرة.
ومن المواضيع المثيرة للجدل حول فعاليات ونشاطات سافايا أنه رجل أعمال أمريكي، كان ناشطا في مجال المخدرات بولاية ميشيغان.
وما يلفت الأنظار في اختيار هذه الشخصية مبعوثا في العراق هو أن هذا البلد العريق الشرق الأوسطي يمتلك ثروات نفطية هائلة، تنشط فيه الكثير من الشركات الصينية، ما يدفع الولايات المتحدة لتعزيز وجوده والتنافس معها اقتصاديا هناك، وبالنتيجة الجمع بين المصالح والأهداف الأمنية والاقتصادية في العراق.
وتقوم الولايات المتحدة الآن بعمل مراقبة ورصد المشهد العراقي الى حين تحديد نتائج الانتخابات ثم تقوم بالتدخل وتطبيق سياساتها في القرارات العراقية.
وحول الوجود الأمريكي في العراق، خفضت واشنطن عدد قواتها الى أقل من ألفي جندي وانتشرتها في منطقة إقليم كردستان. بعد طلب البرلمان والحكومة العراقية بانسحاب قواتها، خاصة بعد ترسيخ الأمن والاستقرار في العراق وثباته، لذلك الأمريكي يتدخل لزعزعة أمن العراق، نشهدها على أرض الواقع بإرسال مبعوث خاص من جهة، ومن جهة أخرى بفرض عقوبات وانتهاج سياسة العصا والجزر.
الملف الثاني: سلاح فصائل المقاومة في العراق
جاء تعيين مبعوث أمريكي خاص في العراق بعد مكالمة هاتفية أجراها وزير خارجيتها مع رئيس الوزراء العراقي، وأكد روبيو على نزع سلاح الفصائل العراقية.
وفيما يتعلق بالرابط بين تعيين المبعوث الأمريكي الخاص في العراق وبين التزامن مع الانتخابات النيابية، كشف الخبير العسكري والاستراتيجي لقناة العالم في بغداد، الفريق الركن عبد الكريم خلف، أنه سلسلة إجراءات وتطورات سبقت مكالمة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وقبل إعلان تعيين المبعوث الأمريكي الجديد مارك سافايا.
وأوضح خلف أن مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب عدد من الشخصيات الإعلامية البارزة، شنت حملة واسعة ضد الحشد الشعبي والفصائل العراقية، معتبرةً أن وجودها يضر بالمصالح الأمريكية في العراق والمنطقة.
وأشار إلى أن هذه الحملة الإعلامية المكثفة تزامنت مع طرح قانون هيكلية الحشد الشعبي في البرلمان العراقي، ومع تصاعد الضغوط السياسية على بعض المكونات غير الشيعية وعدد من النواب الشيعة والمستقلين، ما أدى إلى تمرير القانون الذي يتعلق بالخدمة والتقاعد فقط، دون أي تفاصيل أخرى. ورغم ذلك تم تعطيل القانون بفعل الضغوط الأمريكية والإقليمية.
وأضاف الفريق الركن، أن الضغوط الإعلامية والسياسية تصاعدت بشكل غير مسبوق في وسائل إعلام إماراتية وسعودية، إضافة إلى مواقع عراقية قريبة من الخارجية الأمريكية، مركّزةً هجومها على الفصائل العراقية.
ولفت إلى أن الفصائل التزمت بعد سقوط النظام السوري عام 2024 بعدم القيام بأي تحرك عسكري، وتوقفت عن إسناد غزة بالمعدات والآليات العسكرية مثل المسيرات والصواريخ التي كانت تُستخدم سابقًا في دعم المقاومة.
وفي ما يتعلق بالنوايا الأمريكية في العراق، أكد خلف أن الأهداف باتت واضحة، موضحًا أن بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومجيء الجولاني إلى الحكم، ومع التغييرات في المشهد السياسي اللبناني، جاء الدور الآن على العراق لـ”تحييده وجعله آمنًا بالنسبة لإسرائيل”.
وتابع خلف أن فكرة تحييد العراق وجعله جاءت من تل أبيب وليست من واشنطن، معتبرًا أن الولايات المتحدة أصبحت مجرد “جهة منفذة لإسرائيل في الشرق الأوسط”.
واعتبر الفريق الركن أن العراق يمثل العمق الاستراتيجي للمقاومة في المنطقة، وبعد سقوط سوريا وصعود الجولاني، ازدادت أهمية العراق أكثر من أي وقت مضى، ما جعل مسألة تحييده قضية إسرائيلية أمريكية مشتركة.
أما بشأن السياسة الأمريكية بعد الانتخابات النيابية العراقية المقبلة، فقد أشار خلف إلى أن وسائل الضغط الحالية لا تستهدف الفصائل بوصفها تمتلك أسلحة فقط، بل كقوى سياسية فاعلة داخل العملية السياسية، مشيرا الى أن منظمة بدر تمتلك أكثر من 40 مقعدًا برلمانيًا، وأن حركة العصائب لديها ما بين 15 إلى 18 مقعدًا، وحركة الحقوق نحو 6 مقاعد، بالإضافة إلى الكتائب.
وبيّن أن هذه الكيانات التي تحولت إلى قوى سياسية منظمة سيكون لها تأثير واسع في تشكيل الحكومة المقبلة واختيار رئيس الوزراء، مؤكدًا أن الضجيج السياسي الحالي، ومكالمة وزير الخارجية الأمريكي روبيو قبل الانتخابات، وتعيين مارك سافايا – وهو من أصول كلدانية – كلها تهدف إلى التشويش على الناخب العراقي والشيعي والتأثير على قناعاته، خاصة أن الحشد الشعبي يحظى بثقة وشعبية كبيرتين في المناطق الوسطى والجنوبية وحتى في بعض مناطق الشمال والغرب.
وفيما يخص تمركز القوات الأمريكية في إقليم كردستان العراق، أكد خلف أن لهذا الوجود تأثيرًا واضحًا على المشهد الانتخابي والناخب العراقي.
وأوضح أنه مع نهاية العام المقبل سيصل إلى العراق 500 مستشار أمريكي جديد لتقديم الدعم في مجال الدفاع، معتبرًا أن هذا لا يمكن أن يستقيم مع رغبة الإدارة الأمريكية التي أصبحت تواجد قواتها على الحدود العراقية، منطقة تتحكم في المشهد الأمني العراقي مجرد إرادتها ولها قواعد كبيرة فيها.
وقال الفريق الركن عبد الكريم خلف إن الولايات المتحدة تمارس ضغطًا متصاعدًا على الساحة العراقية عبر الحرب الناعمة ووسائل متعددة داخلية وخارجية، مشيرًا إلى أن العراق يتعرض حاليًا لضربات إعلامية شديدة من الإمارات والسعودية، أشد من الضغوط الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية، معتبرًا هذا النوع من الضغط الإعلامي هو الأداة البديلة لتغيير قناعات الناخب العراقي والتأثير على نتائج الانتخابات المقبلة.
الملف الثالث: تنكيل؛ صاروخ يمني تكتم الاحتلال علی ما ضربه في اسرائيل
أكد الخبير الأمني والاستراتيجي، الفريق الركن عبدالكريم خلف، أن منظومة الصاروخ الجديدة “تنكيل” تمثّل تطوراً نوعياً في الترسانة الصاروخية اليمنية، وتكرّس معادلة ردع استراتيجية غير مسبوقة في المنطقة.
أوضح الفريق خلف، أن صاروخ تنكيل هو منظومة مزدوجة الاستخدام، حيث يُخصّص قسم منها لضرب الأهداف البحرية المتحركة والثابتة، فيما يُستخدم القسم الآخر كصاروخ بعيد المدى من فئة أرض–أرض. وأشار إلى أنه يتميّز بميزات مبتكرة وغير اعتيادية، وقد جرى اختبارُه في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الجاري لاستهداف موقعٍ مهم، عقب الضربة التي استهدفت الأراضي اليمنية وأسفرت عن استشهاد رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والمسؤولين والقيادات الأمنية.
وأضاف خلف أن هذا الصاروخ يعتمد طريقة جديدة في المواد المتفجرة تغطي مساحة واسعة، مشيراً إلى أن رأسه الحربي ينفجر على ارتفاع سبعة كيلومترات فوق الهدف، ما يؤدي إلى توزيع مجموعة كبيرة من القنابل الصغيرة على مساحة دائرية في قلب الهدف نفسه.
وبيّن الفريق الركن أن حتى منظومات الدفاع الجوي المتقدمة لدى الكيان الصهيوني فشلت في اعتراض الصاروخ رغم إطلاق ثلاث منظومات متقدمة ضده، حيث نجح “تنكيل” في الوصول إلى هدفه وتغطية مساحة تدميرية واسعة. وأوضح أن القنابل الصغيرة التي تنبعث من الرأس الحربي تقوم بما يشبه “نبش الهدف”، أي الجرف والتفتيش بالأسلوب المدفعي، ما يؤدي إلى ضربات متكررة ومتوزعة تجعل الهدف يبدو “كالمنخل” نتيجة كثافة الإصابة في مواقع متعددة.
وأضاف أن تجربة هذا الصاروخ في 25 أيلول من هذا العام أسفر عن أضرارٍ كبيرة، لكن الكيان الإسرائيلي فرض تكتمًا شديدًا حول نتائج الضربة، وفتح تحقيقاً داخلياً واسعاً لمعرفة طبيعة الأضرار التي لحقت بالمنطقة.
وأشار إلى أن مراكز الرصد الإسرائيلية أظهرت تضارباً كبيراً في توصيف نتائج الضربة، إذ ذكرت بعض الجهات أنه تم اعتراض الصاروخ، وقالت أخرى إنه سقط في منطقةٍ فارغة، فيما أكدت تقارير مختلفة أنه أصاب هدفاً حيوياً مهماً، في حين بقي قسم آخر من الجهات العسكرية الإسرائيلية غير قادر على تفسير كيفية انتشار المواد المتفجرة على مساحة واسعة.
وتابع الفريق الركن أن هذا الغموض دفع الكيان الإسرائيلي إلى فتح تحقيق فوري في مقر قيادة الجيش لمعرفة طريقة تصميم الصاروخ وآلية توزيعه للمتفجرات.
وحول هذا التطور النوعي، أوضح خلف أن اعتماد أنصار الله سياسة التطوير السري للأسلحة يمثل عامل قوة استراتيجي كبير، إذ فرض اليمنيون اليوم معادلة ردع جديدة في منطقة البحر الأحمر، تلك المنطقة المائية الحيوية التي تُعدّ شرياناً أساسياً في التجارة الدولية ومرور الطاقة، وتشكل بحسب الخبراء ما نسبته 10 إلى 15 بالمئة من الموارد المتجهة إلى أوروبا والعالم.
وقال خلف إن أنصار الله يملكون الآن القدرة على فرض معادلات ردع وهيمنة وغلقٍ جزئي للممرات الملاحية المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، مضيفاً أنه تم تنفيذ غلق جزئي للتعامل البحري مع “إسرائيل”، تلاه تضييق على مرور السفن البريطانية والأميركية قبل أن يتم السماح مجدداً بمرورها، فيما استمر الحصار على الكيان الإسرائيلي وحده.
وأشار إلى أن تأثيرات هذا الحصار كانت ملموسة ومؤثرة، واعترف بها الخبراء والمراكز البحثية في تل أبيب وواشنطن على حد سواء، إذ كبّدت العقوبات البحرية قناة السويس وحدها خسائر قُدّرت بتسعة مليارات دولار خلال عام واحد، مع توقف عبور السفن نحو ميناء إيلات (أم الرشراش) الذي أغلق تماماً، وتعرّض لضربات مهمة.
وحول ما إذا كانت “إسرائيل” ستعيد التصعيد ضد اليمن بعد الهدوء الأخير المرتبط باتفاق غزة، نفى الفريق الركن خلف إمكانية ذلك، قائلاً إن تل أبيب لا تفكر أبداً في إدامة التماس العسكري مع اليمن، بل إن هناك رغبة إسرائيلية واضحة في تجنب أي مواجهة مباشرة.
وقال إن تصريحات عدد من الشخصيات الإسرائيلية أظهرت احتراماً لموقف أنصار الله الذين أثبتوا التزاماً واضحاً بكلمتهم ومواقفهم، موضحاً أن الإسرائيليين أنفسهم قالوا إن إيقاف الحرب يعني إيقاف الضربات على الكيان.
وختم الفريق الركن عبدالكريم خلف حديثه بالتأكيد على أن اليمنيين يمتلكون اليوم وسائل ردع كبيرة جداً، وأن الكيان الإسرائيلي يعيش حالة من الرعب المستمر حتى في فترات الهدوء، لأن أنصار الله لا يحتاجون إلا إلى وقتٍ قصير لإعادة تعبئة ترسانتهم الصاروخية، مضيفاً أن الإسرائيليين “لن يبيتوا في بيوتهم مطمئنين”، في ظل واقع يجعلهم دائماً في الملاجئ، وهو ما أدّى إلى خسائر مادية ومعنوية كبيرة وتعطّل الحياة داخل الكيان، مشيراً إلى أن حتى الهدوء أصبح بالنسبة للإسرائيليين مرعباً بحد ذاته.
الملف الرابع: من هو إيلياهو كوهين؛ عرّاب التطبيع العربي مع “اسرائيل”؟
يُعدّ إيلياهو كوهين، وزير الطاقة في حكومة الكيان الإسرائيلي، من أبرز الشخصيات التي تقف خلف مشروع التطبيع بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية.
رغم أن المنصب الحالي لإيلياهو كوهين يبدو اقتصادياً بحتاً، يغوص كوهين في ملفات سياسية وأمنية واسعة ومعقّدة تشكلت على مدى سنوات طويلة. هذا المسار المهني والجيو-سياسي وضعه في موقع “عرّاب اتفاقيات التطبيع” داخل كيان الاحتلال، حيث يلعب دوراً مزدوجاً يجمع بين إدارة البنية التحتية الحيوية (الطاقة) وتوجيه الدبلوماسية السرية.
إن بصمة كوهين في السياسة الإسرائيلية الحديثة تتجاوز بكثير مهام وزارته الظاهرة. هو مهندس استراتيجي يرى في التكنولوجيا، والموارد الطبيعية، والتجارة، الأدوات المثلى لتكريس النفوذ الإقليمي وتطويع الخصوم.
دلالات الاسم: صدى الجاسوسية التاريخية
اختار كوهين أن يُعرّف نفسه بالاسم المختصر “إيلي كوهين”، وهو الاسم ذاته الذي كان يحمله الجاسوس الإسرائيلي الشهير الذي أُعدم في ساحة المرجة بدمشق عام 1965 بعد انكشاف أمره، إثر سنوات من التجسس لصالح الكيان وتقديمه معلومات بالغة الحساسية من داخل سوريا.
مع أن الجاسوس إيلي كوهين يمثل في الذاكرة الإسرائيلية صورة “البطل القومي” الذي ضحى بنفسه من أجل أمن الدولة، فإن تكرار الاسم في الساحة السياسية الإسرائيلية الحديثة أثار كثيراً من الجدل حول رمزية هذا التشابه. استخدام هذا الاسم في سياق سياسي وإعلامي مدروس يهدف إلى استحضار صورة القوة والتغلغل الاستخباراتي الناجح، مما يضفي هالة من الغموض والفعالية على مساعي السياسي إيلياهو كوهين. يرى النقاد أن هذا التماهي اللفظي مقصود لربط الإنجازات السياسية الحالية بـ”التضحيات البطولية” السابقة في عيون الرأي العام الإسرائيلي.
مسيرة الفريق السياسي: تنقلات حكومية واستخباراتية
شغل إيلياهو كوهين حقائب وزارية متعددة وحساسة خلال مسيرته داخل حكومات الاحتلال. شملت هذه المناصب:
وزير الاقتصاد: حيث ركز على تعزيز الروابط التجارية.
وزير الطاقة: وهو المنصب الحالي، ويُستخدم كغطاء لتطوير مشاريع إقليمية مشتركة (مثل مشاريع الغاز الطبيعي في المتوسط).
وزير الخارجية: ما منحه شرعية أكبر للتواصل مع العواصم العالمية.
وزير الاستخبارات: وهو المنصب الذي سمح له ببلورة شبكة علاقاته السرية.
إضافة إلى هذه الوزارات، كان كوهين عضواً فاعلاً في مجلس الوزراء المصغّر (الكابينيت)، وقد تم ترشيحه لهذه المناصب بفضل ولائه لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، الذي يُعد من أقرب حلفائه الاستراتيجيين.
صلاحيات “الحرية المطلقة” في الاستخبارات
خلال تولّيه حقيبة الاستخبارات، طلب كوهين العمل “بحريّة مطلقة”. هذا الطلب لم يكن بروتوكولياً، بل كان يهدف إلى الاستفادة من صلاحيات الوزارة في الانفتاح على القنوات الدبلوماسية غير التقليدية. من خلال هذه القنوات، بدأ كوهين ببناء شبكة علاقات سرية مع عدد من الدول العربية، مبتعداً عن المسارات الدبلوماسية التقليدية التي قد تخضع لتدقيق أكبر. كانت استراتيجية كوهين تعتمد على ربط المصالح الأمنية والاقتصادية بشكل مباشر، بعيداً عن الضغوط المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
هندسة اتفاقيات التطبيع: بوابة الاقتصاد
لمع اسم كوهين على نحو كبير عام 2020 عندما لعب دوراً محورياً في هندسة اتفاقيات التطبيع المعروفة بـ”اتفاقيات أبراهام”، بين الكيان الإسرائيلي وكلٍّ من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
لقد تطلبت هذه العملية سلسلة طويلة من اللقاءات السرية التي جمعته بزعماء ومسؤولين عرب في عواصم مختلفة. وقد كان تركيزه الدائم منصباً على “البوّابة الاقتصادية” كمدخل أساسي للتطبيع السياسي:
التقنية والطاقة: عرض إسرائيل كشريك موثوق في مجالات المياه والطاقة المتجددة، خاصة الغاز المستخرج من حقل تمار ولوياثان في شرق المتوسط.
الاستثمار والأمن السيبراني: فتح أسواق للاستثمارات الإسرائيلية وتوفير حلول أمنية متقدمة.
تواصل العمل السري
المعلومات الواردة من أوساط دبلوماسية أكّدت أن كوهين لم يتوقف عند الدول الأربع الموقعة. كان يعمل على ملفات تطبيع إضافية مع دول عربية أخرى، وأن لقاءاته السرية تواصلت حتى عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023. هذه العملية أوقفت هذا المسار بشكل مفاجئ وأعادت ترتيب أولويات السياسة الإسرائيلية، حيث طغت الأولويات الأمنية العاجلة على المخططات الدبلوماسية طويلة الأمد.
المواقف الأيديولوجية: الاستيطان واليمين المتطرف
إيلياهو كوهين ليس مجرد دبلوماسي اقتصادي، بل هو صلب الأيديولوجيا الصهيونية اليمينية المتشددة.
دعم الاستيطان
يُعد كوهين من الداعمين الرئيسيين للمستوطنين في قطاع غزة (إشارة إلى النية الإسرائيلية للعودة للسيطرة على أجزاء من غزة بعد الحرب) والضفة الغربية. وكان من أوائل الناشطين في دعم مشروع ضمّ مستوطنة “معاليه أدوميم” إلى السيادة الإسرائيلية على القدس، وهي مستوطنة تقع في قلب الأراضي التي يُفترض أن تكون جزءاً من دولة فلسطينية مستقبلية.
الرسالة الصارمة
تعكس تغريدة نشرها كوهين عبر منصّة “إكس” (تويتر سابقاً) فكره المتشدد: “متأكد من انضمام المزيد من الدول العربية إلى اتفاقيات التطبيع، ولكن عبر القوة وبعد إخضاع الأعداء. أحداً في الشرق الأوسط لا يصنع السلام مع الضعفاء”. هذه العبارة تؤكد أن إطار عمله يرتكز على مبدأ القوة والعقيدة الدفاعية المتطرفة لحزب “الليكود” الذي ينتمي إليه، والذي يعتبر أول حزب يميني يترأس الكيان منذ تأسيسه.
الترابط التاريخي الاقتصادي-الاستيطاني
تاريخياً، ارتبط نشاط كوهين الاقتصادي والسياسي بشركات ذات دوافع استيطانية واضحة. فقد كان مرتبطاً بشركات مثل “تطوير أرض إسرائيل” (وهي تسمية تشير إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة)، والتي وُصفت بأنها من أهم أدوات الحركة الصهيونية في شراء أراضي فلسطين منذ عام 1909. هذا الترابط يظهر بوضوح أن مشروع كوهين السياسي لا ينفصل عن المشروع الاستيطاني الممتد تاريخياً، وأن الاقتصاد هو ببساطة أداة لشرعنة التوسع على حساب الأراضي الفلسطينية.
البداية السياسية والتحول نحو النفوذ
بدأ كوهين مشواره السياسي بالانضمام إلى حزب “كولان” (الذي يعني “الكل” أو “الصوت للجميع”)، وكان هذا الحزب حليفاً لحزب “الليكود” في تلك المرحلة. نجح في ترؤس قائمته الانتخابية مما مكّنه من الوصول إلى مقعد في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
من أول المناصب الوزارية التي تقلّدها كانت وزارة الاقتصاد عام 2017. استغل كوهين خبراته الاقتصادية وخلفيته الفكرية المرتبطة بالحركة الصهيونية لتكريس رؤيته: “الاقتصاد بوابة النفوذ السياسي”. منذ ذلك الوقت، نُظر إليه بوصفه مهندس التطبيع الاقتصادي الذي يبني سياسة الكيان على معادلة مقايضة التكنولوجيا والمصالح المشتركة مقابل الاعتراف السياسي.
العداء لإيران والشك في الدبلوماسية الغربية
يُعرف كوهين بمواقفه العدائية الشديدة تجاه إيران، ويعتبرها التهديد الوجودي الأول للمنطقة. كان معارضاً قوياً للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (الاتفاق الشامل لخطة العمل المشتركة، واصفاً إياه بأنه تهديد للأمن الإقليمي والعالمي وأنه سيقود إلى “حرب عالمية”.
كوهين يؤمن بأن الجهود الدبلوماسية الغربية في الشرق الأوسط، عندما تكون مصحوبة بمرونة، لن تحقق أي “توازن” حقيقي، بل ستؤدي إلى مزيد من الصراعات التي يمكن للكيان استغلالها لتوسيع نفوذه تحت شعار “الردع الاستراتيجي”. بالنسبة له، الردع لا يتحقق بالتفاهم، بل بالهيمنة والتفوق العسكري والاقتصادي المطلق.
التشابه الأيديولوجي مع نتنياهو
يُجمع المحللون على أن قرب كوهين من نتنياهو نابع من تشابه رؤيتهما الأيديولوجية الصهيونية المتشددة. كوهين يخدم أهداف مشروع اليمين المتطرف داخل الكيان وخارجه عبر محاور متوازية:
توسيع التطبيع: إدخال المزيد من الدول العربية في المظلة الإسرائيلية لتعزيز العزلة الإقليمية لإيران وقطع الطريق على أي مبادرة فلسطينية.
حماية الحكومة القائمة: العمل على تحقيق مكاسب سياسية خارجية تدعم استقرار الحكومة الداخلية اليمينية.
تنشيط أدوات النفوذ: استخدام الغطاء الاقتصادي والدبلوماسي لتعزيز الوجود الإسرائيلي.
مرحلة ترامب ومفاهيم القوة في التطبيع
المرحلة الأولى من اتفاقيات التطبيع التي هندسها كوهين جرت بالكامل خلال فترة رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، مستندة إلى التفاهم السياسي بين الرجلين. كلاهما شارك القناعة بأن الاقتصاد هو بوابة التطبيع وأن “إخضاع الأعداء” شرطٌ مسبق للاستقرار السياسي في المنطقة.
الغريب أن كوهين يرى حتى بعض الدول التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع الكيان “أعداء” بحكم الديناميكية التاريخية. ويرى أن إسرائيل يجب أن تهيمن على العلاقة من “موقع القوة” لا من موقع التقارب المتساوي. التطبيع بالنسبة له هو إقرار عربي بالواقع الجديد الذي فرضته إسرائيل.
■ مصدر الخبر الأصلي
نشر لأول مرة على: www.alalam.ir
تاريخ النشر: 2025-10-27 18:10:00
الكاتب:
تنويه من موقع “yalebnan.org”:
تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
www.alalam.ir
بتاريخ: 2025-10-27 18:10:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.
ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.




