كتب إدريس آيات: من هزيمة نكراء لروسيا إلى استسلام تام لأوكرانيا: لماذا وصف الخبراء مبادرة ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية بأنها استسلام مُقنّع؟
كتب إدريس آيات: من هزيمة نكراء لروسيا إلى استسلام تام لأوكرانيا: لماذا وصف الخبراء مبادرة ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية بأنها استسلام مُقنّع؟

إدريس آيات
أكاديمي وباحث متخصص في الشؤون الإفريقية
أو هنا لماذا يجب أن تُدرَّس هزيمة الغرب في أوكرانيا مستقبلًا في كتب الاستراتيجية العسكرية، باعتبارها نموذجًا صارخًا لما لا ينبغي فعله في إدارة حرب بالوكالة!
أمس طرح الرئيس دونالد ترامب خطة السلام التي عرضها لأوكرانيا مجموعة من البنود التي تُظهر — من حيث بنيتها تضم 28 بندًا — أنها أشبه بإعادة ترسيمٍ جيو-سياسي للفضاء الأوكراني، أكثر من كونها تسوية بالمعنى التقليدي. وتتضمن الخطة عناصر جوهرية، أبرزها:
الاعتراف بالقرم ولوغانسك ودونيتسك مناطق روسية بحكم الأمر الواقع؛ أي تثبيت ما فرضته موسكو ميدانيًا منذ 2014 وما بعده.
إجراء انتخابات أوكرانية خلال 100 يوم، بوصفها آلية لإعادة إنتاج شرعية سياسية جديدة.
عفو شامل لجميع أطراف الصراع، بما يعني طيّ صفحة المساءلة عن جرائم الحرب.
إنشاء “مجلس سلام” برئاسة ترامب للإشراف على تنفيذ الاتفاق؛ وهو بند يكشف رغبة واشنطن في الإمساك بخيوط اللعبة مستقبلًا.
اتفاقية عدم اعتداء بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا.
فتح حوار مباشر بين موسكو وحلف الناتو لتسوية الملفات الأمنية العالقة.
توجيه جزء من الأصول الروسية المجمَّدة لإعادة إعمار أوكرانيا.
رفع العقوبات عن روسيا، وهو ما يعني اعتراف الغرب بفشل استراتيجية العقوبات.
التزام الناتو بعدم نشر قوات داخل أوكرانيا في المستقبل.
نشر مقاتلات أوروبية في بولندا كخط دفاعي إضافي.
إعادة فرض العقوبات فورًا إذا أعادت روسيا غزو أوكرانيا.
التزام أوكرانيا الكامل بصفة الدولة غير النووية، وهو شرط روسي-أوروبي قديم.
غير أنّ ما يُقال لنا دبلوماسيًا شيء، وما يجري في الميدان شيء آخر. فالتقارير العملياتية الأخيرة تُظهر أن كوبـيـانسك باتت على وشك السقوط بالكامل بيد الروس، وأن الجنرال الروسي غيراسيموف يرفع تقاريره مباشرةً إلى بوتين من خطوط القتال:
القوات الروسية تتقدم على معظم المحاور.
أكثر من 80٪ من فولتشانسك بات تحت السيطرة الروسية.
تَشكّل ظروف استسلام واسعة داخل صفوف القوات الأوكرانية المحاصرة.
مجموعة “فوستوك” حرّرت خلال أسابيع أكثر من 230 كم² في دنيبروبتروفسك وزابوروجيا.
13 بلدة جديدة انتقلت للسيطرة الروسية.
كييف تُطلق محاولات يائسة لفك حصار قواتها في ديميتروف وكراسنوأرميزسك وسيفيرسك.
ضربات روسية مُركّزة تستهدف البنية التحتية العسكرية والطاقة التي تغذّي مجهود كييف الحربي.
وبكلمة واحدة: الشرق الأوكراني أمسى تحت القبضة الروسية.
ما ردود الفعل الأوروبية والأوكرانية؟..
فجّرت هذه التطورات الميدانية بجانب خطّة ترامب للسلام، انقسامًا في الغرب ذاته. حيث بات العالم الغربي نصفين:
فريق يرى في مبادرة ترامب مخرجًا ضروريًا لأزمة تستنزف الجميع، وفريق أوروبي واسع يخشى أن يكون أي تنازل لروسيا مكافأة مجانية لبوتين، انطلاقًا من فرضية أنّ موسكو لن تتوقف عند حدود أوكرانيا. إلا أنّ أوروبا — كما يدرك الجميع — عاجزة عن مواجهة روسيا دون المظلّة الأمريكية.
والمفارقة الأكبر أنّ القيادة الأوكرانية نفسها أصبحت منقسمة:
فريق مع زيلنسكي يريد قبول العرض لإنقاذ ما تبقى من الأرض، وفريق آخر — من بينهم سفيرة أوكرانيا لدى الأمم المتحدة — يرفض أي تنازلٍ يرى فيه إهانة وطنية… لكنه يدرك في الوقت نفسه أن الصمود بلا دعم أمريكي هو أقرب إلى المستحيل.
لكن ما سر هذا الانقسام المفاجئ؟
الجواب يرتبط بزلزالٍ سياسي ضرب كييف هذا الأسبوع:
فضيحة فساد هائلة تهزّ الدولة حتى جذورها. إذ تفجّرت مؤامرة لابتزاز 100 مليون دولار من قطاع الطاقة الأوكراني، طالت وزير العدل، ووزيرة الطاقة، ومسؤولين من الطاقة الذرية، وكبار موظفي التحقيقات… والأخطر أنّ أصابع الاتهام وصلت إلى تيمور مينديتش، الشريك التجاري السابق لزيلنسكي، وإلى أندريه يرماك رئيس الأركان النافذ.
هذه الفضيحة، المسمّاة “مينديتش-غيت”، دمّرت رصيد زيلنسكي السياسي، وكشفت للعالم قصورًا فارهة لمقربين منه، بعضها بمراحيض من الذهب، ومعدات عسكرية غربية بيعت في السوق السوداء. لذلك بدأ الرأي العام الغربي يفقد صبره تجاه دولة يُنظر إليها الآن كمنظومة فساد تستنزف أموال دافعي الضرائب.
والآن حتمًا السؤال الذي تطرحونه جميعًا هو: هل يمكن لبوتين قبول خطة ترامب؟
علينا أن نتذكّر أنّ موسكو أعادت مؤخرًا ألف جثة لجنود أوكرانيين، بينما أعلنت كييف أنها لا تملك جثثًا لجنود روس تُبادل بها — في فضيحة تُناقض رواية “هلاك ألف روسي يوميًا” التي روّج لها خبراء التلفزيون الغربي. إنها مفارقة تكشف زيف الخطاب الإعلامي، وتطرح سؤالًا بسيطًا:
إذا كان ألف روسي يُقتلون يوميًا، فأين جثثهم؟
من هنا تصبح الإجابة واضحة:
روسيا لن تقبل خطة ترامب — أو بالأحرى خطة الاستسلام، هذه دون أن تعدّل عليها.
فحتى لو قبلت أوكرانيا لأول مرة بخسارة أراضٍ وتقليص جيشها، فقد فات الأوان. كان ذلك ممكنًا قبل عامين. أما الآن، فموسكو تتجه نحو استسلام كامل وغير مشروط، أو استسلام مشروط بشروطها، تمامًا كاتفاقية بوتسدام، واتفاقية التسوية النهائية المتعلقة بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وكل يوم تتأخر فيه كييف، يسقط مزيد من جنودها بلا طائل، قبل أن تضطر في النهاية إلى قبول كل الشروط الروسية التي رُفضت في 2022.
والأطرف أنّ الجنرالات الأوروبية الذين أمضوا عامين يؤكدون عبر الشاشات أن روسيا “تخسر”، هم أنفسهم من يصفون الخطة الأمريكية اليوم بأنها “جيدة”. جيدة لمن؟ لأوكرانيا التي فقدت آلاف الجنود لأنها صدّقت هذه السرديات الخاطئة؟
لقد استمعت كييف لنصائحهم… وانتهى بها الأمر إلى شيءٍ أسوأ مما عرضته موسكو قبل الحرب بسنوات.
جانب آخر لا يقال لنا؛
تكمن خلف هذه الهزيمة روايةٌ لا يُصرَّح بها كثيرًا: روسيا باتت تُمسك بالمشهد الأوكراني بقبضة شبه كاملة، استخبارياً وميدانياً على السواء. فحينما أعلنت ألمانيا عن تسليم منظومات “باتريوت” إلى كييف، تُدرك موسكو أنّ لحظة وصولها ليست سوى نافذة لتوجيه ضربة استباقية دقيقة. فبثلاثة صواريخ فقط، استطاعت روسيا — وبكل هدوء — تدمير المطار الذي استقبل الشحنة، ومسح بطاريات الباتريوت من الوجود قبل أن تُنصَب. إنها ضربة تكتيكية نعم، لكنّها أيضًا رسالة استراتيجية موجهة إلى الناتو؛ بأنّ
روسيا تُراقب كل ما يجري داخل أوكرانيا، وتتحرك قبل اكتمال أي خطوة غربية. وهذا يعني أنها — بصورة أو بأخرى — تخترق المنظومة الاستخبارية الأوكرانية بالكامل، وتعرف توقيتات التحركات اللوجستية الدقيقة قبل حدوثها.
لماذا كل ما سبق مثير للشفقة؟
بعد أن خسرت أوكرانيا ما يقارب ربع أراضيها؛ أراضٍ ليست مجرد مساحات جغرافية، بل مخازن للثروات المعدنية النادرة، والاحتياطات الاستراتيجية، وأوسع السهول الزراعية في شرق أوروبا، ومعها شطرٌ كامل من شعبها الناطق بالروسية… وبعد أن تنازلت — مضطرة أو مخدوعة — عن جزء من مواردها الطبيعية في صفقات غير متكافئة مع واشنطن، وبعد أن غرقت في ديون ثقيلة لإرضاء العواصم الأوروبية وشراء ما تحتاجه من السلاح؛ سلاحٍ جاء بعضه هبة، وجاء معظمه الآخر دينًا طويل الأمد يُسدد من خيرات البلاد ومستقبل أجيالها…
بعد كل هذا، تأتي اليوم خطة الاستسلام بهذه البساطة، وكأنّ ثمن الدم والأرض والسنوات الضائعة لا قيمة له؟
إن ما يثير الأسى أكثر من أي شيء آخر هو كيف ساق زيلنسكي بلاده إلى هذا الدمار: شعب مشرّد، ثروات منهوبة، وجيل كامل أُرسل إلى حرب كان يمكن تجنبها. فلو قُبلت الشروط الروسية عام 2022، ولو احترمت كييف اتفاقات مينسك وضمانات دونباس، لاحتفظت بكل ما فقدته اليوم— أرضًا وموارد ومستقبلًا.
الآن، لا يقال لزيلنسكي فقط: لقد خسرت الأرض؛
بل يُقال له أيضًا: لن تنضم أوكرانيا للناتو مطلقًا.
إنها نهاية متوقعة… لكنها مؤلمة حدّ الشفقة.
ولولا مظلته الخارجية وما توفره له من حماية، لكان مصيره مختلفًا تمامًا.
ولذلك، يجب أن تُدرَّس هزيمة الغرب في أوكرانيا مستقبلًا في كتب الاستراتيجية العسكرية، باعتبارها نموذجًا صارخًا لما لا ينبغي فعله في إدارة حرب بالوكالة.
فحتى عندما يدعم طرفٌ ما دولة حليفة، فإن أول قواعد اللعبة هي التكتم، وإبقاء مساحةٍ للإنكار إذا تعقد المشهد. وهذا تمامًا ما فعلته الصين؛ إذ دعمت روسيا بالقدر الذي يسمح لموسكو بالصمود أمام تحالف يضم أكثر من أربعين دولة غربية، لكنها في كل محفل تُنكر ذلك ببرودٍ آسيوي محسوب. وهذا ما يفعله الاستراتيجيون الكبار: يدعمون… دون أن يورّطوا أنفسهم.
وعلى الجانب الآخر، يواصل حلف الناتو أخطاءه المتراكمة، ويتلقى اليوم درسًا آخر من موسكو التي أثبتت أنّها ليست فقط الطرف الأقوى ميدانياً، بل الطرف الأكثر سيطرة على مجمل البنية الاستخبارية داخل أوكرانيا. فمن يُمسك بمعلومات الدولة وطرق اتصالاتها وإمداداتها، يُمسك بالدولة ذاتها.
ولم يعد خافيًا أنّ روسيا بدأت تضرب خطوط الإمداد الحيوية بالطريقة نفسها التي استخدمتها ضد الممر البولندي المؤدي إلى كييف. وهذا التحول يُظهر انتقال المعركة من مستوى “إدارة الصراع” إلى مستوى “خنق الخصم” عبر استهداف شرايينه اللوجستية.
بكلمات أخرى…
هذا هو ما يُسمّيه لاعبو الشطرنج: “كِش ملك”.
أبرز النقاط
مبادرة ترامب للسلام اعتبرها الخبراء استسلامًا مُقنّعًا لأوكرانيا وليست تسوية حقيقية.
الواقع الميداني يؤكد تقدمًا روسيًا واسعًا وانهيارات في صفوف الجيش الأوكراني.
فضيحة فساد “مينديتش-غيت” هزّت كييف ودمّرت شرعية زيلنسكي أمام الغرب.
الانقسام داخل القيادة الأوكرانية وصل إلى المؤسسات الرسمية والدبلوماسيين.
روسيا باتت تهيمن على المشهد الأوكراني استخبارياً ولوجستياً وتضرب قبل اكتمال التسليح الغربي.
فقدت أوكرانيا ربع أراضيها ومخزونها الاستراتيجي وثروات ضخمة خلال الحرب.
الغرب أدرك أن استراتيجية العقوبات والدعم العسكري لم تُحقق أهدافها.
موسكو تتجه نحو فرض شروط استسلام كاملة أو شبه كاملة على أوكرانيا.
هزيمة الغرب في أوكرانيا أصبحت نموذجًا يُدرَّس لما لا يجب فعله في إدارة حرب بالوكالة.
التحول الروسي الأخير من “إدارة الصراع” إلى “خنق الخصم” غيّر معادلات الحرب.
الخلاصة:
المشهد يتجه نحو نهاية محسومة روسيًا… وكييف تتأخر عن قبول ما كان يمكن أن تنقذ به البلاد عام 2022.
■ مصدر الخبر الأصلي
نشر لأول مرة على: pravdatv.org
تاريخ النشر: 2025-11-21 22:22:00
الكاتب: قسم التحرير
تنويه من موقع “yalebnan.org”:
تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
pravdatv.org
بتاريخ: 2025-11-21 22:22:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.
ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.


