إستسلام أم مناورة جديدة: تحليل لمقترحٍ تسوية شبه كاملة قدمتها واشنطن لروسيا
إستسلام أم مناورة جديدة: تحليل لمقترحٍ تسوية شبه كاملة قدمتها واشنطن لروسيا

التابع. زياد منصور –
باحث ومختص في الشؤون الروسية
تشير تقارير إعلامية أمريكية وأوروبية حديثة إلى أن الإدارة الأمريكية تُمارس ضغوطًا ملحوظة على الحكومة الأوكرانية لقبول مسودة اتفاق سلام موسّعة مع موسكو، تضم نحو 28 بندًا رئيسيًا. وبحسب ما أورده الإعلام الغربي، فإن هذه البنود تمثل تنازلات كبيرة من أوكرانيا وتغييرًا جوهريًا في معادلة الأمن والسيادة والحدود.
التنازلات الإقليمية والنفوذ الجغرافي
تقترح المسودة أن تعترف أوكرانيا رسميًا بسيادة روسيا على منطقتي دونباس وشبه جزيرة القرم. هذا التنازل يُعدّ من أكثر البنود حساسية، لأنه يعني قبولًا رسميًا بوضع تغيَّر فعليًّا منذ سنوات.
وبالإضافة إلى ذلك، تتضمن الخطة التنازل عن إدارة بعض المناطق الاستراتيجية مثل مناطق التماس في خيرسون وزابوروجيا. في هذا السياق، تنص المسودة على آلية مشتركة لإدارة بعض المرافق الحيوية، أبرزها محطة زابوروجيا النووية، التي يُقترح أن يتم توزيع إنتاجها من الطاقة بين الجانبين بشكل متساوٍ.
هذه الترتيبات ترمي إلى رسم خطوط نفوذ واضحة قد تُخفّف من احتمال تجدد النزاع، لكنها في الوقت ذاته تمنح روسيا دورًا مؤثرًا في إدارة بعض الموارد والطاقة داخل أراضي أوكرانيا.
التحولات الأمنية والدستورية في أوكرانيا
أحد البنود المركزية هو تعديل الدستور الأوكراني ليشمل حظرًا مطلقًا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). هذا التغيير الدستوري يهدف إلى طمأنة روسيا بأن أوكرانيا لن تصبح جزءًا عسكريًا فاعلًا من المحور الغربي، ويُعد تنازلاً كبيرًا في البنية الأمنية لأوكرانيا.
إلى جانب ذلك، تنص المسودة على نزع السلاح الهجومي الكامل من أوكرانيا، وتقليص حجم جيشها إلى نحو 600 ألف جندي فقط. هذا الاقتراح يعيد تصميم القوة العسكرية الأوكرانية لتكون أقل قدرة على شن هجمات، ويحوّلها من قوة محتملة إلى قوة دفاعية ضيقة.
التحليلات تقول إن هذه البنود تهدف إلى خلق توازن أمني طويل الأمد يضمن لروسيا أن أوكرانيا لن تشكل تهديدًا إستراتيجيًا مستقبليًا، بينما يظل هناك جيش أوكراني قادر على الدفاع الذاتي، لكن بقدرات محدودة.
إعادة إدماج روسيا في الساحة الدولية
مقابل التنازلات الأوكرانية، تفتح المسودة الباب لإعادة روسيا تدريجيًا إلى المجتمع الاقتصادي الدولي. وتشمل هذه الخطوة إمكانية رفع بعض العقوبات الاقتصادية وعودة روسيا إلى كيان مجموعة الدول الصناعية الثماني (G8).
هذا العرض ليس فقط اقتصاديًا، بل سياسي أيضًا، إذ يعكس رغبة غربية – على الأقل من بعض الأطراف – في تهدئة التوتر مع روسيا وإعادة تأسيس علاقات تعتمد على وجوديتها كفاعل دولي رئيسي.
التحليلات تشير إلى أن هذا المقترح قد يكون جزءًا من صفقة أكبر: تسوية طويلة الأجل تسمح لروسيا بإعادة بناء نفوذها الدولي، مع ضمانات من الغرب بعدم توسع أوكرانيا عسكريًا، على الأقل في الأمد القريب.
دلالات أوسع للساحة الدولية
إذا تم تبني هذه المسودة، فسيكون ذلك تحويلًا كبيرًا في ميزان القوى في أوروبا الشرقية. فالقوة الأوكرانية تتعرض لتقليص كبير، في حين يعاد تأكيد نفوذ موسكو الإقليمي والدولي.
من منظور غربي، خاصة من إدارة الولايات المتحدة، قد تكون الضغوط جزءًا من إعادة ترتيب أولويات استراتيجية. فبينما ظلّت أوكرانيا البؤرة المركزية للصراع لسنوات، تظهر الآن رغبة في التوصل إلى تسوية قد تسمح بتخفيف التزامات التكلفة العسكرية والمالية، وربما التركيز مجددًا على منافسة جيوسياسية أخرى، مثل التحدي مع الصين في شرق آسيا.
من جهة روسيا، فإن قبول مثل هذا الاتفاق يمنحها فرصة لإضفاء شرعية دولية على مكاسبها الأرضية، وإعادة عملية دمجها في النظام الدولي، مع حماية مستقبلها من إعادة توتّر عسكري خطير من الجانب الأوكراني.
تأتي هذه المقترحات في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والعسكرية على الطرفين، إضافة إلى إرهاق الحلفاء الأوروبيين من كلفة استمرار الحرب. كما يلعب تغيّر الإدارة الأمريكية دورًا بارزًا في صياغة توجهات جديدة نحو تسوية النزاع، خصوصًا في ظل رغبة واشنطن في إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، وعلى رأسها المنافسة مع الصين في شرق آسيا.
وتشير تحليلات سياسية إلى أن قبول أوكرانيا بهذه المسودة، إن حدث، سيعني تحولًا كبيرًا في خريطة النفوذ داخل أوروبا الشرقية، كما سيُعيد صياغة العلاقة بين روسيا والغرب خلال السنوات القادمة.
في ضوء ما تكشفه التطورات الأخيرة، تبدو المسودة المطروحة للسلام بين أوكرانيا وروسيا لحظة مفصلية في تاريخ النظام الدولي المعاصر. فقبول كييف باتفاق تُصرّ عليه واشنطن — رغم ما قد يحمله من تنازلات ثقيلة — يشير إلى تحوّل عميق في موازين القوة، وإلى إعادة رسم محتملة لخريطة النفوذ في أوروبا بعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الباردة. وما اعتبره بعض المراقبين “تراجعًا استراتيجيًا” للغرب، تراه أطراف أخرى خطوة براغماتية لإيقاف استنزاف سياسي وعسكري واقتصادي طال أمده.
ومهما يكن توصيف اللحظة — استسلامًا، أو تسوية قسرية، أو إعادة تموضع اضطرارية — فإن المؤكد أن المسار الحالي سيترك أثرًا طويل المدى على مستقبل أوكرانيا، وعلى موقع روسيا في النظام الدولي، وعلى بنية التحالفات الغربية. كما أنّ أصداء هذه التسوية ستتجاوز القارة الأوروبية لتصل إلى توازنات شرق آسيا، حيث تُراقَب التحولات الغربية عن كثب باعتبارها مؤشرًا على اتجاه الاستراتيجية الأمريكية خلال العقد المقبل.
إنّ ما يجري اليوم ليس مجرد اتفاق محتمل لإنهاء حرب، بل هو — في جوهره — اختبار حاسم لفعالية التحالفات، ولحدود القوة، ولقدرة النظام الدولي على إدارة صراعاته دون الانزلاق إلى مواجهات أوسع. وبذلك، يصبح التطور الراهن أكثر من حدث سياسي عابر؛ إنه منعطف تاريخي ستتضح تداعياته على مدى السنوات المقبلة.
أبرز نقاط المقال
الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطًا على أوكرانيا لقبول مسودة اتفاق سلام موسّعة مع موسكو تضم 28 بندًا.
المسودة تتضمن تنازلات رئيسية تشمل دونباس وشبه جزيرة القرم ومناطق استراتيجية أخرى.
تعديل الدستور الأوكراني لحظر الانضمام إلى الناتو ونزع السلاح الهجومي الكامل.
إعادة إدماج روسيا اقتصاديًا وسياسيًا، بما في ذلك العودة لمجموعة الدول الصناعية الثماني.
المسودة قد تعيد رسم خريطة النفوذ في أوروبا الشرقية وتعزز دور روسيا الإقليمي والدولي.
تعريف بالكاتب:
د. زياد منصور، باحث ومختص في الشؤون الروسية
■ مصدر الخبر الأصلي
نشر لأول مرة على: pravdatv.org
تاريخ النشر: 2025-11-24 14:47:00
الكاتب: قسم التحرير
تنويه من موقع “yalebnan.org”:
تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
pravdatv.org
بتاريخ: 2025-11-24 14:47:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.
ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.


