تكلفة المعيشة في دمشق 2025… هوّة بين الرواتب والأسعار
تكلفة المعيشة في دمشق 2025… هوّة بين الرواتب والأسعار

في شوارع دمشق المزدحمة، حيث تختلط المباني القديمة بالمحال التجارية، يعيش السوريون تجربة يومية تُرسم فيها خريطة القدرة الشرائية بين راتب شهري وفاتورة يومية. في تشرين الأول 2025، وعلى الرغم من الإعلانات الحكومية عن زيادة الرواتب، لا تزال العديد من الأسر تتساءل: هل يكفي ما نكسبه لتأمين أبسط الاحتياجات الشهرية؟
هذا التحقيق يواجه الأرقام بالواقع، ويجمع بين البيانات الرسمية وحكايات المواطنين، لنرسم صورة واضحة عن تكلفة المعيشة في دمشق، من الطعام والسكن إلى الخدمات والكهرباء، وكيف تتدبر الأسر أمورها وسط ارتفاع الأسعار وتفاوت القدرة الشرائية.
كم يتقاضى الموظف في دمشق؟
مع بداية عام 2025، أعلن المسؤولون الحكوميون عن دراسة رفع رواتب موظفي القطاع العام، وسط توقعات بنسبة تصل إلى 400 في المئة، لكن هذه الزيادة كانت تصوّر إعلامياً كمخطط مستقبلي ولم تُنفّذ على الفور.
وفي 22 حزيران 2025، صدر المرسوم الرئاسي رقم 102 لعام 2025، الذي قضى برفع الرواتب والأجور المقطوعة لجميع العاملين المدنيين والعسكريين في الدولة بنسبة 200٪.
وبحلول تموز 2025، بدأت وزارة المالية بتنفيذ الزيادة على رواتب الموظفين، لتصبح بذلك 200 في المئة زيادة فعلية، مع مراعاة أن هذه الخطوة تُعدّ المرحلة الأولى ضمن خطة الحكومة لإصلاح الرواتب ورفع القدرة الشرائية للعاملين.
لاحقاً، شهدت وزارة العدل زيادة خاصة لموظفيها عبر المرسوم رقم 140 لعام 2025، الذي رفع رواتب القضاة والعاملين اعتباراً من آب 2025 إلى مستويات قياسية.
وفي تشرين الأول 2025، أعلنت الحكومة عن زيادات مرتقبة لموظفي قطاعي التعليم والصحة، بعد تقديم وزارة المالية لمقترحات بهذا الخصوص، إلا أن هذه الزيادات لم تُنفّذ بعد وما زالت قيد الدراسة والتحضير للقرار الرسمي.
ورغم هذه الزيادات، لا تزال العديد من الأسر تواجه فجوة كبيرة بين ما تكسبه وما تنفقه، خصوصاً العائلات التي تعتمد على راتب واحد أو تتحمل التزامات إضافية كالخدمات والفواتير والإيجار، ما يجعل النقاش حول القدرة الشرائية أكثر أهمية من مجرد إعلان الزيادة.
سلة المعيشة الأساسية تحت المجهر
تشير تقارير مؤسسة قاسيون للأبحاث إلى أن الحد الأدنى لتكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد بلغت نحو 9 ملايين ليرة سورية بنهاية 2024، فيما قد يصل متوسط تكاليف المعيشة إلى 14 مليون ليرة سورية.
وعلى أرض الواقع، يقول أحد الباعة في سوق شعبي: “كنا ننتظر شهر رمضان مثلاً للفرح.. اليوم نحسب لكل وجبة”. أصبح الحساب اليومي للغذاء ضرورة لا رفاهية، مع ارتفاع أسعار الخضار، الحبوب، والزيوت الأساسية، وتفاوت الأسعار بحسب المحلات والجودة.
هل ما تبقى من الدخل يكفي للسكن؟
في سوق العقارات، تبدو الأزمة واضحة أيضاً: إذ تشير بيانات محلية إلى أن إيجار منزل متوسط في دمشق يصل إلى خمسة ملايين ليرة سورية شهرياً، مع بعض المطالب بالدفع بالدولار، بالتالي يدفع الضغط على المساكن بعض الأسر إلى خيارات أصعب، مثل السكن المشترك، الانتقال للضواحي الأرخص، أو العودة للعيش مع الأهل.
وحين يكون إيجار الشقة وحده يمثل نسبة كبيرة من دخل الأسرة، التي ربما تتقاضى بعد الزيادة مبلغاً لا يكفي لفواتير الكهرباء أو التعليم، يصبح السؤال: أين نحسب أولوياتنا؟
الحساب اليومي الذي لا يُرى
إلى جانب الطعام والسكن، هناك خدمات كهرباء، مياه، إنترنت، مواصلات… هي بنودٌ تشكّل عبئاً ملموساً. وهنا يوضح مؤشر قاسيون أن انخفاض بعض أسعار الغذاء لم يُغلق الفجوة الكبيرة في مستوى المعيشة، مما يعني أن بقاء الوضع على ما هو عليه في الخدمات يزيد الضغط اليومي، وعلى سبيل المثال، قد تُعاني أسرة من انقطاع الكهرباء، مما يدفعها لاستخدام مولد أو بطارية، ما يرفع التكاليف أكثر.
رفع أسعار الطاقة وتأثيره
في تشرين الأول 2025، أعلنت وزارة الطاقة السورية رفع أسعار الكهرباء، مع تقسيم الاستهلاك إلى أربع شرائح جديدة، لتصبح فاتورة الكهرباء عبئاً أكبر على الأسر.
التقسيم الجديد يتضمن:
الشريحة الأولى: استهلاك منزلي معتدل بأسعار مدعومة جزئياً.
الشريحة الثانية والثالثة: استهلاك أعلى بأسعار متزايدة لكل كيلوواط ساعة.
الشريحة الرابعة: استهلاك كبير بأسعار السوق الحر تقريباً، ما يؤثر على المنازل التي تعتمد على أجهزة كهربائية إضافية أو مكيفات.
بناء عليه، فإن ارتفاع الأسعار دفع الأسر إلى استخدام مولدات كهرباء، بطاريات للطاقة الشمسية، وأجهزة لتقليل الاستهلاك، ما يعكس فجوة طبقية في القدرة على الحصول على الكهرباء بين الأغنياء والفقراء.
من “كيف نعيش” إلى “كيف نستمر”
وفي قلب الأزمة، تقف الأسرة السورية أمام خيارين: تتكيف أو تتراجع. وفي مقابلات في الأسواق الشعبية في دمشق؛ أحد الأشخاص قال: “حاولنا أن نوفّر من كل سلعة كيلو، حسب الحاجة، أما اليوم نشتري ما نحتاجُه غداً فقط”.
ومن استثمار التحويلات من الخارج، أو العمل الإضافي، أو اللجوء إلى الجمعيات الخيرية، إلى الاعتماد على مزيج “راتب + مونة + تقييد”، يعيش الكثيرون في حالة تأقلم دائم. ومع ذلك، يبقى التفاوت الطبقي قائماً: من يعيش براتب واحد وقدرات محدودة، ومن يمتلك شبكة دعم أو دخل إضافي.
ما وراء الأرقام؟
من جهتهم، يشير الخبراء إلى أن رفع الرواتب بنسبة كبيرة هو خطوة سياسية أولى، لكنها لا تكفي لتصليح القدرة الشرائية أو لوقف التضخّم. أما زيادة الرواتب فقد تؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار إذا لم تُواكب بإصلاحات في السياسة النقدية والإنتاج.
في هذا الإطار، يؤكد بعض الاقتصاديين أن إنتاجاً ضعيفاً، واعتماداً على الاستيراد، وتدهور الليرة، كلها عوامل تجعل الواقع الاقتصادي السوري هشاً، وأن الحل لن يكون فقط بزيادة الرواتب بل بإعادة بناء الإنتاج وتحسين الإدارة.
تساؤل مفتوح
في دمشق اليوم، لا يكفي أن تُعلَن زيادة كبيرة في الراتب، إنما يجب أن يُترجم ذلك إلى حياة يومية تشهد تحسّناً ملموساً. ما بين راتب محدود وإنفاق يومي مرتفع، وبين أسرة تحسب كل وجبة وأخرى تعتمد على تحويل من الخارج، يتبدّل المشهد الاجتماعي والاقتصادي.
هل يكفي أن يكون لديك وظيفة حكومية؟ أو أن تحتفظ بادّخار بسيط؟ أو أن تفكّر في الهجرة؟ في الواقع الحالي، ربما تكون “شبكة الأمان” المادية أو الاجتماعية هي البطاقة الأقوى. والآن السؤال: ما هي الخطوة التالية للحكومة، ولكل أسرة، لكي تتحول دمشق من مدينة تكافح إلى مدينة تعيش؟
■ مصدر الخبر الأصلي
نشر لأول مرة على: lebanoneconomy.net
تاريخ النشر: 2025-11-25 06:16:00
الكاتب: hanay shamout
تنويه من موقع “yalebnan.org”:
تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
lebanoneconomy.net
بتاريخ: 2025-11-25 06:16:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.
ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.




