الهيمنة على المعادن النادرة تمنح الصين نفوذا حاسما في الحرب التجارية

الهيمنة على المعادن النادرة تمنح الصين نفوذا حاسما في الحرب التجارية

في خضم التوترات المتصاعدة بين أقوى اقتصادين في العالم، تبرز المعادن النادرة كعامل إستراتيجي يعيد رسم ملامح الحرب التجارية. فالصين، التي تهيمن على هذا القطاع، تمتلك ورقة ضغط حاسمة، نظرا للدور المحوري الذي تلعبه صناعات التكنولوجيا المتقدمة، بل تحولت إلى نفوذ جيوسياسي.

بكين – تهيمن الصين على قطاعات المعادن النادرة، من الاستخراج إلى المعالجة والابتكار، في إطار إستراتيجية طويلة الأمد تمنحها ميزة كبرى في مواجهة الولايات المتحدة وبقية العالم، وهو ما استغلته لصالحها في عام 2025.

وهذه الهيمنة لم تعد مجرد تفوق اقتصادي، بل تحولت إلى نفوذ جيوسياسي يتيح للصين توجيه مسار المنافسة العالمية وإعادة ضبط قواعد اللعبة التجارية، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى تقليل اعتمادها على سلاسل التوريد الصينية وتعزيز أمنها الصناعي والتقني.

وستلعب العناصر الرئيسية السبعة عشر دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي في السنوات القادمة، حيث يحذر المحللون من أن خطط الحكومات الغربية لتأمين سلاسل توريد بديلة قد تستغرق سنوات قبل أن تؤتي ثمارها.

وتُعدّ المعادن النادرة أساسية لقطاع الدفاع، إذ تُستخدم في الطائرات المقاتلة وأنظمة توجيه الصواريخ وتكنولوجيا الرادار، بالإضافة إلى استخدامها في مجموعة واسعة من المنتجات اليومية، بما في ذلك الهواتف الذكية والمعدات الطبية والسيارات.

وزارت وكالة فرانس برس هذا الشهر منطقة قانتشو للتعدين في جنوب شرق البلاد المتخصصة في المعادن النادرة “الثقيلة”، بما في ذلك الإيتريوم والتيربيوم، وكانت منطقةً نشطةً للغاية.

ونادرًا ما تُمنح وسائل الإعلام حق الوصول إلى هذه الصناعة السرية في الصين، ولكن رغم المراقبة شبه المستمرة من قِبل حراس مجهولين، شاهد صحافيو فرانس برس عشرات الشاحنات تدخل وتخرج من أحد مناجم المعادن النادرة، بالإضافة إلى العديد من منشآت المعالجة المزدحمة.

ويجري حاليًا بناء مقر رئيسي جديد مترامي الأطراف في قانتشو لمجموعة الصين للمعادن النادرة، وهي إحدى أكبر شركتين حكوميتين في البلاد في هذا القطاع، بعد سنوات من عمليات الدمج التي قادتها بكين.

وصرح هيرون ليم، المحاضر في الاقتصاد بكلية إيسيك للأعمال، لفرانس برس بأن التحديات التي شهدها هذا العام “مهدت الطريق أمام المزيد من الدول للنظر في توسيع إنتاج ومعالجة المعادن النادرة.” وقال “قد يُحقق هذا الاستثمار أرباحًا على المدى الطويل.”

وأحدثت القيود الشاملة على التصدير التي فرضتها الصين على هذا القطاع في أوائل أكتوبر الماضي صدمة في قطاعات التصنيع العالمية.

وقد دقّت هذه القيود ناقوس الخطر في واشنطن، التي انخرطت في حرب تجارية متجددة مع بكين منذ أن بدأ الرئيس دونالد ترامب ولايته الثانية.

وفي اجتماعٍ بالغ الأهمية عُقد في كوريا الجنوبية أواخر الشهر الماضي، اتفق الرئيس الأميركي ونظيره الصيني شي جينبينغ على هدنةٍ لمدة عامٍ واحدٍ في حربٍ جمركيةٍ شرسةٍ بين أكبر اقتصادين في العالم.

وأدى هذا الاتفاق، الذي يضمن توريد المعادن الأرضية النادرة وغيرها من المعادن الأساسية، مؤقتًا على الأقل، إلى تحييد الإجراءات الأميركية الأكثر صرامةً، واعتُبر على نطاقٍ واسع انتصارًا لبكين.

ورجح ليم أن تظل المعادن الأرضية النادرة محور المفاوضات الاقتصادية الصينية – الأميركية المستقبلية على الرغم من الاتفاقات الأولية التي تم التوصل إليها حتى الآن.

وأضاف “أظهرت الصين استعدادها لاستخدام المزيد من أدوات الضغط التجارية لإبقاء الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات.”

وتابع “لقد خلقت الاضطرابات بيئةً صعبةً للمنتجين الذين يعتمدون على مختلف المعادن الأرضية النادرة، نظرًا لعدم اليقين بشأن الإمدادات على المدى القريب.”

وتتسابق واشنطن وحلفاؤها الآن لتطوير سلاسل تعدين ومعالجة بديلة، لكن الخبراء يحذرون من أن هذه العملية ستستغرق سنوات.

وخلال الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة رائدة في تطوير قدرات استخراج ومعالجة المعادن الأرضية النادرة، حيث وفّر منجم ماونتن باس في كاليفورنيا الجزء الأكبر من الإمدادات العالمية.

لكن عقب تراجع التوترات مع موسكو، وتزايد أهمية الضرر البيئي الكبير الذي تُسببه صناعة المعادن الأرضية النادرة، نقلت الولايات المتحدة قدراتها الإنتاجية تدريجيًا إلى الخارج في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

وتسيطر الصين الآن على معظم تعدين المعادن الأرضية النادرة عالميًا، أي حوالي ثلثيها، وفقًا لمعظم التقديرات، وهي بالفعل موطن لأكبر احتياطيات طبيعية من هذه العناصر في العالم، وفقًا للمسوحات الجيولوجية.

كما تحتكر بشكل شبه كامل عمليات الفصل والتكرير، فقد أظهرت تحليلات هذا العام حصة تُقدر بحوالي تسعة أعشار إجمالي عمليات المعالجة العالمية.

وعلاوة على ذلك يُعزز التقدم الكبير في براءات الاختراع وضوابط التصدير الصارمة على تكنولوجيا المعالجة جهود بكين لمنع تسرب المعرفة الفنية من البلاد.

وقالت أميليا هاينز، محللة السلع في شركة بي.أم.آي، في ندوة عُقدت هذا الشهر “تعتمد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل كبير على واردات المعادن الأرضية النادرة، ما يُبرز مخاطر كبيرة على الصناعات الحيوية.”

وأضافت “من المرجح أن يُحفز هذا الخطر المُستدام تحولًا أسرع وأوسع نطاقًا نحو أمن المعادن الأرضية النادرة.”

وخصصت السلطات الدفاعية الأميركية في السنوات الأخيرة مبالغ طائلة لدعم الإنتاج المحلي، في إطار الجهود المبذولة لتحقيق سلسلة توريد متكاملة بحلول عام 2027. كما تعمل واشنطن مع حلفائها على تطوير بدائل استخراج ومعالجة المعادن عن الصين.

ووقّع ترامب الشهر الماضي اتفاقيةً بشأن المعادن النادرة، واعدًا بمشاريع معادن حيوية بقيمة 8.5 مليار دولار مع رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، علمًا بأن أراضي أستراليا الشاسعة غنية بموارد المعادن النادرة.

كما وقّع اتفاقيات تعاون تغطي قطاع المعادن الحيوي الشهر الماضي مع اليابان وماليزيا وتايلاند.

وعلى الرغم من النشاط المكثف والعناوين الرئيسية هذا العام، كانت واشنطن على دراية بمشكلة المعادن النادرة منذ سنوات.

وفي عام 2010 دفع نزاع بحري إقليمي مع طوكيو بكين إلى تعليق شحنات المعادن إلى اليابان، وهو أول حادث كبير يُسلّط الضوء على التداعيات الجيوسياسية لسيطرة الصين على هذا القطاع.

وأثارت هذه الحادثة دعواتٍ من إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما آنذاك لتعزيز المرونة المحلية الأميركية في المجال الإستراتيجي. ولكن بعد 15 عامًا، لا تزال الصين القوة الرئيسية في مجال المعادن النادرة.



■ مصدر الخبر الأصلي

نشر لأول مرة على: lebanoneconomy.net

تاريخ النشر: 2025-11-27 05:56:00

الكاتب: hanay shamout

تنويه من موقع “yalebnan.org”:

تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
lebanoneconomy.net
بتاريخ: 2025-11-27 05:56:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.

ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.

ahmadsh

موقع "yalebnan" منصة لبنانية تجمع آخر الأخبار الفنية والاجتماعية والإعلامية لحظة بلحظة

Exit mobile version