كتب د.سعد خلف هل يمكن استنساخ نموذج الحالة الكورية في أوكرانيا؟ ولماذا لن يقبل بوتين منطق التجميد…!
كتب د.سعد خلف هل يمكن استنساخ نموذج الحالة الكورية في أوكرانيا؟ ولماذا لن يقبل بوتين منطق التجميد…!
هل يمكن استنساخ نموذج الحالة الكورية في أوكرانيا؟
ولماذا لن يقبل بوتين منطق التجميد…!
كتب د. سعد خلف
مختص في الشأن الروسي
من الخطأ الجسيم من الناحيتين السياسية والتاريخية التعامل مع حرب أوكرانيا بنفس منطق الحرب الكورية، أو الاعتقاد بأن إنهائها أو تجميدها قابل للاستنساخ على نموذج حالة الكوريتين.
هذا بالضبط ما استخلصته من كل التصريحات الرسمية والتعليقات المختلفة في دوائر التحليل والمراقبة هنا داخل روسيا خلال اليومين الماضيين، بل وهذا ما حرصت موسكو والكرملين وبوتين على نفيه رسميا وبشكل قاطع خلال الساعات الماضية.
فتصريح يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية بأن الولايات المتحدة وروسيا ” لم تناقشا يوماً السيناريو الكوري” على أنه خيار مطروح للتسوية في أوكرانيا، هو في رأيي تصريح مقصود بعناية شديدة قبيل ساعات من المفاوضات المقررة في برلين، الاثنين 15 ديسمبر 2025، بين زيلينسكي وويتكوف والأوروبيين على التنازلات التي سيعود بها ويتكوف إلى موسكو ضمن بنود الخطة المطروحة للسلام.
أوشاكوف نيابة عن الكرملين وموسكو يغلق الباب.. بشكل متعمد.. لأن بوتين يرى في هذا الباب.. فخاً.. استراتيجيا طويل الأمد. وليس هذا ما تحمل لأجله الدخول في هذه المخاطرة الكبيرة في فبراير 2022، وتحملت روسيا وشعبها ولا تزال كل التكلفة التي أنتجتها منذ ذلك اليوم.
فالسيناريو الكوري يعني بكل بساطة… وقف قتال.. بلا سلام.. وخط تماس.. يتحول إلى جرح مفتوح… لعقود… والأخطر انه سيكون مصحوب بوجود عسكري أجنبي دائم.. واقتصاد مسلح.. ودولة مؤجلة السيادة.
وهذا النموذج، حسب فهمي لما يدور في رأس بوتين ونخبة الكرملين ووزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين، يناقض جوهر ما تسعى إليه موسكو والكرملين وبوتين منذ اليوم الأول… فما أفهمه جيدا أنه يسعى إلى تسوية تنهي المسألة الأوكرانية تماما… لا تجميدها.
وانطلاقا من هذا الفهم تأتي أهمية الربط المتلازم بين ما يقال في برلين منذ يوم أمس، بداية لقاءات جس النبض بين ويتكوف وزيلينسكي، وما يقال في موسكو عن كل ما يجري هناك.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب، عن تقدك كبير وعن خطة من 20 بنداً… يضع الكرملين هنا في موسكو، وفق ما اسمعه، وبصوت عال ومسموع خطوطه الحمراء… وهذا المرة يصر على أن تكون واضحة بشكل غير مسبوق، فقد جاءت على لسان بيسكوف وأوشاكوف وتكررت خلال الساعات الأخيرة بصيغ مختلفة، وأهم ما تتضمنه وتنص عليه: لا هدنة مؤقتة؛ لا حيل سياسية؛ لا جداول زمنية مصطنعة… والأهم كالعادة وثيقة ملزمة قانونيا تمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو.
وهذه النقاط بالنسبة لموسكو ليست تفاصيل تفاوضية، هذه المحرمات يقدمها الكرملين مجددا هادفا بها إعادة تعريف طبيعة التسوية نفسها التي يمكن أن يقبل بها، إن وصلت الأمور فعلا إلى مسألة تسوية سياسية قبل أن تصل الأمور ميدانيا إلى نقطة اعلان أوكرانيا الاستسلام.
موسكو، وحسبما أفهم، تريد إخراج الملف من منطق ما يعرف بالضمانات المرنة إلى منطق الالتزامات القانونية التي لا تتغير بتغير الرئيس أو الحكومات أو الإدارات في واشنطن… أو المزاج في بروكسل بمعناها الأوروبي وليس البلجيكي بالطبع.
وفي المقابل، عندما ننظر إلى الجزء الأخر من الصورة نرى أن كييف وزيلينسكي في وضع أقل ما يمكن وصفه به أنه بالغ التعقيد. زيلينسكي يتحرك بين نارين… نار ضغط أمريكي متزايد، خصوصا من دونالد ترامب، على سبيل المثال تكرار مطالبته بضرورة إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا خلال الأيام الأخيرة، فضلا عن اشاراته المتكررة إلى ملف الفساد في القيادة الأوكرانية، وهدف ذلك بالطبع انتزاع مرونة حقيقية من زيلينسكي.
والثانية، نار ضغط أوروبي معاكس يشجع زيلينسكي على الاستمرار في الحرب، طالما أن أوروبا… نظريا… لا تزال قادرة على التمويل، وإن كان لفترة ليست طويلة.
وهذا التناقض يفسر لنا بوضوح الإشارات المتضاربة التي تخرج من كييف وتصيب بالحيرة، فنسمع عن تسريبات، بل وتلميحات حتى من زيلينسكي نفسه بالاستعداد للتخلي عن عضوية الناتو… لكن في الوقت نفسه نسمع تشددا في ملف الانسحاب من دونباس.
فضلا عن مناورات سياسية عبر طرح فكرة الانتخابات أو الاستفتاءات لتحميل المجتمع الاوكراني، المغلوب على امره، والذي تحمل فوق طاقته ولا يزال خلال قرابة أربع سنوات، تحميله مسؤولية قرارات الهزيمة… وهي آتية لا محالة.
هنا تحاول كييف وزيلينسكي، كما أرى أنا على الأقل بوضوح، تحاول ما يمكن وصفه بــ.. تذويب… القضايا الجوهرية في تفاصيل إجرائية. بحيث إذا رفضت موسكو هذه التفاصيل، وهذا المتوقع وهذا ما سوف يحدث، يمكن تحميل بوتين مسؤولية إفشال السلام… أمام ترامب تحديدا.
ولكني أعتقد أنه إذا كنت أنا أفهم هذا التكتيك السياسي، وهو تكتيك معروف طبعا، فمما لا شك فيه أن موسكو والكرملين وبوتين يفهمه أفضل بكثير. لكن الخطير في المسألة أن هذا التكتيك محفوف بمخاطر كبيرة لزيلينسكي وكييف.
فموسكو وكما قال أوشاكوف صراحة ستبدي اعتراضات حادة إذا جرى تعديل أي خطة بما لا يتوافق مع مصالحها الأساسية، ولن تقبل لا بالانتخابات الأوكرانية كذريعة لوقف إطلاق النار، ولا بالاستفتاءات كأداة لحسم نتائج حرب.
وأرقام الميدان هنا يمكن أن تكون بمثابة المنارة بالنسبة لنا لفهم موقف الكرملين، فالقوات الأوكرانية، وفقا معطيات اليوم التي يقدمها الجانب الروسي بالطبع، والتي بالطبع لا نستطيع تأكيدها أو نفيها، لا تسيطر إلا على نحو 6600 كيلومتر مربع من دونيتسك، بينما باتت القوات الروسية على مشارف السيطرة التامة على كل الدائرة المحيط ببوكروفسك من القرى البلدات.
وهذه الوقائع هي، في رأيي، التي تفسر لماذا يقدم الكرملين ” رِجل ويؤخر رِجل” في موضوع التسوية، ولماذا لن يقبل بمنطق تجميد الصراع وفق نموذج الحالة الكورية عند خطوط التماس…فلماذا يوافق على ذلك وقواته تتقدم وباستطاعتها إذا استمرت الأمور على ذات المنوال أن تسيطر خلال أشهر على كامل الأراضي التي تطمع فيها، بل وتتجاوزها.
وهنا، وفي هذه اللحظة بالذات ووفقا لهذا المشهد الميداني، لن يكون التجميد إلا إنقاذ لكييف وزيلينسكي من نتائج مسار ميداني محكوم بهزيمة وخسارة أكيدة…
إشكالية أخرى، وهي مسألة الضمانات الأمنية. فقبول زيلينسكي المبدئي بـ ” ضمانات ثنائية” بدل الانضمام إلى الناتو… لا يحل المشكلة، بل يُرحِلها.
بمعنى ما طبيعة هذه الضمانات؟ وهل ستمر عبر الكونغرس الأمريكي؟ وهل تتضمن التزاماً عسكريا مباشراً؟ هذه كلها أسئلة تحتاج إلى شرح وتوضيح وإجابات قبل أن توافق موسكو على شيء.
فالتجربة الأمريكية مع تايوان، ومعاهدات الولايات المتحدة السابقة كلها تُظهر أن واشنطن تتجنب دائما… الصياغات… التي تلزمها تلقائيا بالحرب مع أو نيابة عن أحد… ما عدا إسرائيل طبعاً… وحتى لو قُدمت ضمانات تشبه المادة الخامسة للناتو، فهي لا تعني بالضرورة تدخلا عسكريا.. آلياً… إلى جانب أوكرانيا.
أما أوروبا… فكالعادة هي الطرف الأكثر صراحة، وربما الأكثر خطورة، في هذه المرحلة. ولننظر إلى تصريح فولفغانغ إيشينغر، الواضح والانتهازي والمعبر بفجاجة عن الأوروبيين، يقول: ” إن أوروبا آمنة طالما أن أوكرانيا تقاتل”… هذه ليست زلة لسان، هذا تعبير واضح يعكس رؤية الأوروبيين الحقيقية لهذه الحرب، ويفسر لنا الموقف الأوروبي بكل أبعاده.
فالحرب الأوكرانية بالنسبة للأوروبيين ما هي إلا… أداة أمنية، وليست مأساة يجب إنهائها.
ومن هنا بإمكاننا أن نفهم الإصرار الأوروبي على مصادرة الأصول الروسية واستخدامها كضمانة لقروض تصل إلى نحو 140 أو 210 مليار يورو، وفق تقديرات مختلفة، لإدامة الحرب عامين إضافيين على الأقل.
هذا التمويل الذي يسعى الأوروبيون بكل قوة إلى ضمانه، إن تحقق، فهو بلا شك سيعيد خلط أوراق التفاوض. وما أقصده هنا أن مواقف كييف وزيلينسكي تتبدل بقدر ما تشعر أن لديها شبكة أمان عالية..
لذلك عندما نتابع ما يجري في برلين اليوم الاثنين 15 ديسمبر 2025، ونقرأ تسريبات وتصريحات الوفد الأوكراني بعناية، نستطيع أن نستشف بسهولة أن زيلينسكي يفاوض ويتكوف في برلين وأذنه وعينه على بروكسل وما تقوله من هناك كايا كالاس.
وكلما زادت الأموال المتدفقة أو الموعودة … تراجعت الحاجة إلى التسوية المؤلمة… والرضوخ لضغوط ويتكوف وكوشنر.. ومن ورائهما ترامب وبوتين.
لذلك تقرأ موسكو والكرملين وبوتين ما يجري في برلين وبروكسل، بوضوح، فالولايات المتحدة تحاول إنتاج نص واحد مع كييف وأوروبا قبل عرض أي شيء روسيا.
يفهم الكرملين، في رأيي، أن أوروبا تحاول شراء الوقت والقدرة عبر المال… الروسي المصادر، الذي احتارت في الاحتيال على طريقة لنهبه… وتحاول كييف وزيلينسكي الهروب من لحظة الاعتراف بالخسارة عبر السياسة… سواء انتخابات أو استفتاءات.
لكن بوتين لا يتعجل،هو ينتظر ما سوف تسفر عنه مشاورات واشنطن-كييف-أوروبا، دون أن يضع شروطه… التفصيلية على الطاولة بعد.. ومع ذلك بعض الخطوط رسمها بمداد لا يقبل المحو
أهمها: القرم خارج النقاش تماما؛ الناتو خارج المعادلة؛ ودونباس لا يُحسم باستفتاء.
لكل ما ذكرته أعلاه، اختم بالقول إن أوكرانيا ليست كوريا، لا جغرافياً ولا سياسياً ولا في حسابات الكرملين وبوتين، ولا حتى في حسابات القوى الكبرى… ولن تكونها.
ومن يراهن على… تجميد ذكي… للصراع يخطئ في قراءة اللحظة. فهذه حرب تدار الآن على ثلاث مستويات أو لنقل طبقات، طبقة الميدان، وهي الرئيسية؛ وطبقة المال؛ وطبقة القانون.
وبدون اتفاق يقتلع ويزيل الأسباب الجذرية – كما تراها موسكو والكرملين وبوتين- وأكرر هذه العبارة مجدداً: فإن أي وقف نار سيكون مجرد استراحة محارب قبل جولة جديدة… ستكون أكثر كلفة، ليس فقط لروسيا أو أوكرانيا.
أبرز نقاط المقال
استحالة استنساخ النموذج الكوري على الحالة الأوكرانية سياسيًا وتاريخيًا.
رفض موسكو القاطع لمنطق تجميد الصراع أو الهدن المؤقتة بلا تسوية شاملة.
اعتبار الكرملين أن أي خط تماس دائم سيحوّل أوكرانيا إلى دولة منقوصة السيادة.
إصرار روسيا على وثيقة قانونية ملزمة تمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
تعقيد موقف زيلينسكي بين الضغوط الأمريكية والأوروبية المتناقضة.
الميدان العسكري هو العامل الحاسم في صياغة شروط التسوية.
أوروبا تتعامل مع الحرب كأداة أمنية لا كأزمة يجب إنهاؤها.
أي وقف نار بلا معالجة جذرية هو استراحة محارب قبل جولة اشد
■ مصدر الخبر الأصلي
نشر لأول مرة على: pravdatv.org
تاريخ النشر: 2025-12-15 23:10:00
الكاتب: قسم التحرير
تنويه من موقع “yalebnan.org”:
تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
pravdatv.org
بتاريخ: 2025-12-15 23:10:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.
ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.




