لبنان

المفاوضات المطروحة… نعيٌ للأمم المتحدة وقراراتها

المفاوضات المطروحة… نعيٌ للأمم المتحدة وقراراتها

| خضر رسلان | كاتب وإعلامي لبناني

في كلّ مرة يُطرح فيها الحديث عن مفاوضاتٍ جديدة بين لبنان و”إسرائيل”، تتكرّر الصورة نفسها: طاولة مستديرة، بياناتٌ منمّقة، ووعودٌ بالسلام المزعوم. لكن خلف هذا المشهد الدبلوماسي الهادئ، يقف واقعٌ صارخ لا يمكن إنكاره: إسرائيل تنصّلت من كلّ قرارٍ دوليٍّ صدر بشأنها، والأمم المتحدة عجزت ـ أو امتنعت ـ عن محاسبتها.

منذ قيام الكيان الإسرائيلي، شكّلت قرارات الأمم المتحدة مساراً طويلاً من الوعود الفارغة. القرار 181 الذي قسّم فلسطين لم يكن إلا البداية، إذ أضفى على الاحتلال شرعيةً زائفة تحت عنوان “التقسيم العادل”. القرار 194 الذي أكّد حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، بقيَ شعاراً سنوياً يُستدعى في الجلسات العامة دون أيّ نيةٍ للتنفيذ. وعلى امتداد عقودٍ من الزمن، بقيت “إسرائيل” الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ولا تُعاقَب على ذلك، بل تُكافأ بالمزيد من الدعم والغطاء السياسي والعسكري من الغرب.

وفي الحالة اللبنانية، يتكرّر المشهد ذاته. فالقرار 1701 الصادر عام 2006 كان يُفترض أن يشكّل محطةً فاصلة تفرض انسحاب “إسرائيل” من كلّ شبرٍ لبناني محتلّ، وتُلزمها بوقف خروقاتها الجوية والبحرية. لكن ما الذي جرى فعلياً؟

لا انسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بل توسعت الى نقاط جديدة، لا كفّ للخروقات الجوية التي تُسجَّل يومياً، ولا احترام لسيادة الحدود اللبنانية. بل أكثر من ذلك، تُعامَل “إسرائيل” في مجلس الأمن كما لو كانت هي “الضحية”، بينما يُطلَب من لبنان والمقاومة الالتزام بضبط النفس وتجنّب “التصعيد”.

تنصّلٌ متواصلٌ يقابله صمتٌ أمميٌّ مريب…

فالأمم المتحدة التي أنشئت لحفظ السلم والأمن الدوليين، تحوّلت إلى مؤسسةٍ عاجزةٍ عن تنفيذ قراراتها، وخاضعةٍ لمنطق القوة لا للحقّ. وإذا كانت العدالة الدولية تُقاس بمدى تطبيق قراراتها، فإنّ الأمم المتحدة اليوم فقدت شرعيتها الأخلاقية قبل القانونية.

لقد أصبحت المنظمة الدولية مجرّد مظلةٍ سياسيةٍ تتحرّك بإيقاع الإرادة الأميركية، تمنح الشرعية لمن تريد، وتنزعها عمّن تريد. أما “إسرائيل”، فهي الاستثناء الدائم: محميةٌ من العقوبات، محصّنةٌ بالفيتو الأميركي، ومحصورة ضمن دائرةٍ لا يطالها القانون الدولي. كلّ خرقٍ جديدٍ تقابله بيانات “قلق”، وكلّ عدوانٍ جديدٍ يُبرَّر بـ”حق الدفاع عن النفس”.

في هذا السياق، ما الجدوى من الحديث عن مفاوضات جديدة؟

كيف يمكن التفاوض على حدودٍ وحقوقٍ وقراراتٍ، والطرف الآخر يضرب بها عرض الحائط منذ سبعة عقود؟ وأي معنى يبقى للشرعية الدولية حين تتحوّل قراراتها إلى أوراقٍ تُستعمل وقت الحاجة وتُهمل متى اقتضت المصلحة؟

إنّ المفاوضات المطروحة اليوم ليست مشروع سلامٍ بقدر ما هي إعلان وفاةٍ رسميّ للمنظومة الأممية. فكلّ جلسة تفاوضٍ تُعقد دون تنفيذٍ للقرارات السابقة، هي تأكيدٌ جديد على أنّ الأمم المتحدة لم تعد مرجعاً للحق، بل غطاءً للعجز والتواطؤ.

الأمم المتحدة فقدت دورها حين ساوت بين الجلاد والضحية، وفقدت صدقيتها حين اكتفت بمراقبة الاحتلال بدل إنهائه. والمجتمع الدولي، بكلّ ما يمتلك من نفوذ ووسائل ضغط، قرّر أن يتعامل مع إسرائيل كـ “دولة فوق القانون”، وكأنها لا تُحاسَب إلا من الله.

إنّ من يرفض تنفيذ القرارات لا يفاوض بصدق، ومن يعجز عن فرضها لا يستحق أن يُدعى “الأمم المتحدة”. ولهذا، فإنّ كلّ مفاوضة جديدة تُجرى في ظلّ هذا الخلل الفادح ليست خطوة نحو الحلّ، بل جنازة جديدة تُشيَّع فيها العدالة الدولية.

لقد آن الأوان للاعتراف بالحقيقة كما هي: الشرعية الدولية ماتت، والأمم المتحدة تواصل إصدار بيانات التعزية بنفسها.

أما الشعوب، فتعلم أنّ الحقوق لا تُستعاد بقراراتٍ دولية، بل تُنتزع بالإرادة والصمود والمقاومة.

الجميل في الأمم المتحدة أنها ما زالت تصدر القرارات… لا لتُنفَّذ، بل لتُضاف إلى أرشيف النسيان.

تخاف من إغضاب “إسرائيل” أكثر مما تخاف من خيانة التاريخ.

ولذلك، كلّ مفاوضة جديدة ليست طريقاً إلى الحلّ، بل نعيٌ جديدٌ للأمم المتحدة ولقراراتها التي وُلدت ميتة.



■ مصدر الخبر الأصلي

نشر لأول مرة على: jabalamel.org

تاريخ النشر: 2025-10-22 10:15:00

الكاتب: جبل عامل

تنويه من موقع “yalebnan.org”:

تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
jabalamel.org
بتاريخ: 2025-10-22 10:15:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.

ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.

c3a1cfeb2a967c7be6ce47c84180b62bff90b38d422ff90b8b10591365df9243?s=64&d=mm&r=g
ahmadsh

موقع "yalebnan" منصة لبنانية تجمع آخر الأخبار الفنية والاجتماعية والإعلامية لحظة بلحظة، مع تغطية حصرية ومواكبة لأبرز نجوم لبنان والعالم العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى