نما الاقتصاد الأمريكي بمعدل سنوي قوي بشكل مفاجئ بلغ 4.3% خلال الربع الثالث، وهو أسرع معدل خلال عامين، مدفوعًا بالمستهلكين الذين يواصلون الإنفاق في مواجهة التضخم المستمر.

وأعلنت وزارة التجارة الأمريكية، في تقرير صدر اليوم الثلاثاء وتأخر صدوره بسبب إغلاق الحكومة، أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر – أي إجمالي إنتاج السلع والخدمات – ارتفع من معدل نموه البالغ 3.8% في الربع الثاني من العام (أبريل- يونيو).

ووفقًا لوكالة أسوشيتد برس فقد كان الاقتصاديون الذين استطلعت شركة البيانات “فاكت سيت” آراؤهم قد توقعوا نمواً بنسبة 3% فقط خلال هذه الفترة.

المستهلكون محرك أساسي

وكما كان الحال طوال معظم هذا العام، فقد مثّل المستهلكون المحرك الأساسي للاقتصاد الأمريكي. فقد ارتفع الإنفاق الاستهلاكي، الذي يُشكّل نحو 70% من النشاط الاقتصادي، إلى معدل سنوي قدره 3.5% في الربع الأخير، مقارنةً بـ 2.5% في الفترة من أبريل إلى يونيو.

ومع ذلك، يعتقد عدد من الاقتصاديين أن طفرة النمو قد تكون قصيرة الأجل مع استمرار إغلاق الحكومة لفترة طويلة مما يؤثر سلباً على الاقتصاد في الربع الأخير، فضلاً عن تزايد عدد الأمريكيين الذين سئموا من التضخم المرتفع بشكل مستمر.

وأظهر استطلاع للرأي نشرته مؤسسة “كونفرنس بورد” اليوم الثلاثاء أن ثقة المستهلكين تراجعت إلى مستويات قريبة من تلك التي لم تشهدها البلاد منذ أن فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية واسعة النطاق على شركائها التجاريين في أبريل/نيسان.

وأظهر الاستطلاع أن ثقة المستهلكين في الاقتصاد اهتزت في ديسمبر/كانون الأول مع تزايد قلق الأمريكيين بشأن ارتفاع الأسعار وتأثير التعريفات الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب.

وأعلن مجلس المؤتمرات اليوم الثلاثاء أن مؤشر ثقة المستهلك انخفض بمقدار 3.8 نقطة إلى 89.1 نقطة في ديسمبر، مسجلاً بذلك خامس انخفاض شهري متتالٍ، ومقترباً من قراءة أبريل البالغة 85.7 نقطة، والتي صدرت عندما فرض ترامب ضرائب استيراد على شركاء الولايات المتحدة التجاريين. وتم تعديل قراءة نوفمبر بالزيادة إلى 92.9 نقطة.

اقتصاد الكلمات ك

وقال ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في بنك سانتاندير: “إنّ الارتفاع الكبير في الإنفاق الاستهلاكي يذكّرني كثيراً بالربع الأخير من العام الماضي. لقد كان المستهلكون يبالغون في الإنفاق. لذا، وكما كان الحال في بداية هذا العام، من المحتمل أن تحتاج الأسر إلى فترة راحة قريباً”.

وقد تكون المسارات المتباينة ظاهريًا بين ما يقوله المستهلكون عن شعورهم ومقدار الأموال التي لا تزال تُنفق دليلًا إضافيًا على ما يُعرف باسم “الاقتصاد على شكل حرف K”. وفي هذه الحالة، يرتفع دخل الأمريكيين الأكثر ثراءً، بسبب مكاسب سوق الأسهم والاستثمارات المتزايدة، بينما تعاني الأسر ذات الدخل المنخفض من ركود الأجور وارتفاع الأسعار.

وكتب مايكل بيرس، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس: “تشير أحدث البيانات المتعلقة بالإنفاق الأسري إلى استمرار المكاسب القوية في الإنفاق الاستهلاكي، لا سيما على الخدمات. ونعتقد أن هذا يعكس التعافي الاستهلاكي غير المتجانس، حيث يقود نمو الإنفاق الأسر الأكبر سناً والأكثر ثراءً، بينما تعاني الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.”

ارتفاع التضخم

أظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي الصادر يوم الثلاثاء أن التضخم لا يزال أعلى مما يرغب فيه مجلس الاحتياطي الفيدرالي. فقد ارتفع مؤشر التضخم المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والذي يُسمى مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، إلى 2.8% سنوياً في الربع الأخير، مقارنةً بـ 2.1% في الربع الثاني.

باستثناء أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، بلغ معدل التضخم الأساسي لأسعار نفقات الاستهلاك الشخصي 2.9%، مرتفعاً من 2.6% في الربع من أبريل إلى يونيو.

ويقول الاقتصاديون إن التضخم المستمر والذي قد يتفاقم قد يجعل خفض سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في يناير أقل احتمالاً، حتى مع استمرار قلق مسؤولي البنك المركزي بشأن تباطؤ سوق العمل.

“إذا استمر الاقتصاد في الإنتاج عند هذا المستوى، فلن تكون هناك حاجة كبيرة للقلق بشأن تباطؤ الاقتصاد”، كما قال كريس زاكاريلي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة نورثلايت لإدارة الأصول، مضيفًا أن التضخم قد يعود ليصبح أكبر تهديد للاقتصاد.

عامل محرك آخر

كما ظهر في أحدث البيانات عامل محرك ثابت آخر في الاقتصاد الأمريكي، وهو الإنفاق على الذكاء الاصطناعي. ونما الاستثمار في الملكية الفكرية، الذي يشمل الذكاء الاصطناعي، بنسبة 5.4% في الربع الثالث، بعد قفزة أكبر بلغت 15% في الربع الثاني. وكانت هذه النسبة 6.5% في الربع الأول.

وارتفع الإنفاق والاستثمار الحكومي بنسبة 2.2% خلال الربع الثالث، بعد انكماشهما بنسبة 0.1% في الربع الثاني. وقد تعززت أرقام الربع الثالث بزيادة الإنفاق على مستوى الولايات والمحليات، بالإضافة إلى الإنفاق الدفاعي للحكومة الفيدرالية.

وانخفض الاستثمار في قطاع الأعمال الخاص بنسبة 0.3%، مدفوعاً بتراجع الاستثمار في قطاع الإسكان والمباني غير السكنية كالمكاتب والمستودعات. مع ذلك، كان هذا الانخفاض أقل بكثير من التراجع الذي بلغ 13.8% في الربع الثاني.

وضمن بيانات الناتج المحلي الإجمالي، نما مؤشر يقيس قوة الاقتصاد الأساسية بمعدل سنوي قدره 3% خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر، بزيادة طفيفة عن 2.9% في الربع الثاني. ويشمل هذا المؤشر الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار الخاص، ولكنه يستثني بنودًا متقلبة مثل الصادرات والمخزونات والإنفاق الحكومي.

ونمت الصادرات بمعدل 8.8%، بينما انخفضت الواردات، التي تطرح من الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 4.7% أخرى. ويُعد تقرير يوم الثلاثاء أول تقدير من بين ثلاثة تقديرات ستقدمها الحكومة بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث من العام.

نسخ الرابط
تم نسخ الرابط