ماذا جنت أوكرانيا من معاداة روسيا الاتحادية؟
ماذا جنت أوكرانيا من معاداة روسيا الاتحادية؟
ماذا جنت أوكرانيا من معاداة روسيا الاتحادية؟
كتب: إدريس أحميد ـ باحث وكاتب صحفي ومحلل سياسي
لم تكن أوكرانيا يومًا دولة عادية في معادلات الجغرافيا السياسية لروسيا، بل شكّلت إحدى ركائز الاتحاد السوفيتي السابق، ومركزًا استراتيجيًا ذا ثقل عسكري واقتصادي وبشري. فالعلاقة بين البلدين لم تكن مجرد علاقة جوار، بل نسيجًا اجتماعيًا متداخلًا، وارتباطًا تاريخيًا وجغرافيًا عميقًا يصعب فصله بقرارات سياسية ظرفية أو رهانات خارجية.
حصلت أوكرانيا على استقلالها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي بإرادة روسية واضحة، وانضمت إلى رابطة الدول المستقلة، كما سلّمت ترسانتها النووية لروسيا بموجب اتفاق بودابست في مطلع تسعينيات القرن الماضي، مقابل ضمانات أمنية واحترام سيادتها. وكان من الممكن لهذا المسار أن يؤسس لعلاقة شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة والتكامل الإقليمي، لا على الصدام والعداء.
من منظور واقعي، كان انفصال أوكرانيا عن روسيا فرصة لبناء نموذج جديد من العلاقات، يقوم على التحالف بحكم الجغرافيا، ويؤسس لتكتل سياسي–اقتصادي قوي قادر على مواجهة التحديات الدولية، بعيدًا عن منطق الاستقطاب وهيمنة القطب الواحد، الذي أثبتت التجربة أنه أحد أبرز أسباب التوتر وعدم الاستقرار في العالم.
غير أن المسار الذي اتخذته أوكرانيا – أو فُرض عليها – سار في اتجاه معاكس. فقد تحولت تدريجيًا إلى ساحة صراع جيوسياسي، ورأس حربة في مواجهة روسيا الاتحادية. ولم تكن الفوضى السياسية التي شهدتها البلاد معزولة عن هذا السياق، بل جاءت في إطار إعادة هندسة المشهد السياسي الأوكراني، وصولًا إلى صعود قيادة ارتبطت بشكل مباشر بالمشروع الأمريكي والغربي الهادف إلى كبح صعود روسيا، وتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقًا.
لقد ضمّ حلف الناتو دولًا كانت حليفة للاتحاد السوفيتي السابق، في مخالفة واضحة للتفاهمات التي رافقت مرحلة ما بعد التفكك، والتي كانت تقوم على عدم توسع الحلف شرقًا. وهو ما عزز القناعة لدى موسكو بأن الناتو لم يعد تحالفًا دفاعيًا، بل أداة استراتيجية موجّهة ضدها، وضد قوى دولية صاعدة أخرى، بدل السعي إلى بناء منظومة أمنية أوروبية تشاركية تشمل روسيا باعتبارها دولة أوروبية كبرى لا يمكن تجاوزها.
أوروبا أيضًا… خسائر بلا مكاسب
ولم تقتصر تداعيات هذا الخيار على أوكرانيا وحدها، بل امتدت إلى أوروبا نفسها، التي دفعت ثمن معاداة روسيا بدل التعاون معها. فقد وجدت القارة الأوروبية نفسها طرفًا مباشرًا في صراع لم تُحسن تقدير مآلاته، فتحمّلت تبعات اقتصادية وأمنية جسيمة، أبرزها أزمات الطاقة، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع القدرة التنافسية للصناعة الأوروبية، إضافة إلى اهتزاز الاستقرار الاجتماعي في عدد من الدول.
لقد أسهمت سياسة القطيعة مع روسيا في خلق حالة توتر غير مسبوقة داخل أوروبا، وأعادت أجواء الحرب الباردة إلى المشهد القاري، بدل بناء منظومة أمنية واقتصادية مشتركة تقوم على الشراكة مع روسيا، بوصفها جزءًا من الفضاء الأوروبي جغرافيًا وتاريخيًا. فروسيا لم تكن تهديدًا وجوديًا لأوروبا بقدر ما كانت شريكًا محتملاً في الطاقة والأمن والتوازن الدولي.
واليوم، تدفع أوروبا ثمن ارتهانها للمقاربة الأمريكية التي فضّلت الصدام على حساب التعاون، فخسرت جزءًا من استقلال قرارها، وازدادت تبعيتها الاستراتيجية لواشنطن، في وقت تتصاعد فيه داخل القارة أصوات تدعو إلى مراجعة هذا المسار، والبحث عن صيغة أكثر توازنًا في العلاقة مع روسيا.
حصيلة الحرب: خسارة أوكرانيا واستنزاف أوروبا
بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية، باتت الحصيلة واضحة: خسرت أوكرانيا مواردها الاستراتيجية، واقتصادها، وبنيتها التحتية، وأجزاءً من أراضيها، فضلًا عن تمزق نسيجها الاجتماعي نتيجة سياسات الإقصاء واضطهاد المواطنين ذوي الأصول الروسية في المناطق المشتركة تاريخيًا وجغرافيًا مع روسيا، وهي سياسات أسهمت في تعميق الانقسام الداخلي بدل احتوائه.
أما الحديث عن إعادة الإعمار، فيبدو أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع، في ظل الإرهاق الاقتصادي الأوروبي، والتغيرات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، بعد أن قدّم دعمًا ماليًا وعسكريًا هائلًا استنزف قدراته، وخلق أزمات داخلية متعددة.
وفي المحصلة، ستنتهي هذه الحرب – عاجلًا أم آجلًا – عبر مبادرة أمريكية ستُجبر أوكرانيا على القبول بها، بشروط أقل بكثير مما كان يمكن تحقيقه لو أنها اختارت منذ البداية مسار التفاهم مع روسيا، بدل الانخراط في مشروع توطين حلف الناتو على حدودها، في تجاهل كامل لهواجس موسكو الاستراتيجية.
ستنتهي الحرب، لكن نتائجها لن تكون متوازنة؛ ستخرج أوكرانيا دولة منهكة، مثقلة بالديون وفاقدة لجزء من سيادتها، فيما ستخرج روسيا أكثر صلابة، بعد أن نجحت في إدارة حرب طويلة، ومواجهة حملة غربية–ناتوية واسعة هدفت إلى استنزافها وكسرها، لكنها أخفقت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وهكذا، تؤكد الجغرافيا مرة أخرى أنها أقوى من الشعارات، وأن الدول التي تتحول إلى أدوات في صراعات الكبار، غالبًا ما تدفع الثمن وحدها.
أبرز نقاط المقال الواردة في المقال:
أوكرانيا كانت ركيزة أساسية في العمق الاستراتيجي الروسي.
الانخراط في المشروع الغربي حوّلها إلى ساحة صراع دولي.
توسّع الناتو شكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الروسي.
أوروبا دفعت ثمن القطيعة مع روسيا اقتصاديًا وسياسيًا.
نتائج الحرب كارثية على أوكرانيا، مقابل فشل أهداف الغرب الاستراتيجية.
بقلم: إدريس أحميد
■ مصدر الخبر الأصلي
نشر لأول مرة على: pravdatv.org
تاريخ النشر: 2025-12-15 21:30:00
الكاتب: قسم التحرير
تنويه من موقع “yalebnan.org”:
تم جلب هذا المحتوى بشكل آلي من المصدر:
pravdatv.org
بتاريخ: 2025-12-15 21:30:00.
الآراء والمعلومات الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع “yalebnan.org”، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق المصدر الأصلي.
ملاحظة: قد يتم استخدام الترجمة الآلية في بعض الأحيان لتوفير هذا المحتوى.




